اتصل الخبر بالدولة أرادت أن تتدارك الخرق وتجبر الكسر ، فأرسلت بمنشور إيالة حلب إلى علي باشا فازداد عتوا ، وجمع جمعا عظيما من السّكبان حتى صار عنده ما يزيد على عشرة آلاف فارس ، ومنع المال المرتّب عليه ونهب في تلك الأطراف ، ودبّر على قتل والي حلب حسين باشا ، وكان ولاه السلطان عليها لما بلغه خروج علي باشا عن الطاعة. وكان حسين باشا المذكور وصل إلى أذنة فأرسل علي باشا إلى حاكمها الخارجي أيضا المعروف بجمشيد أن يصنع لحسين باشا ضيافة ويقتله فيها ، ففعل.
ونما خبره إلى الأقطار واستمر علي في حلب يظهر الشقاق إلى أن أرسل الأمير يوسف ابن سيفا صاحب عكا إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميرا على عسكر الشام ، والتزم بإزالة ابن الجانبولاط عن حلب. فجاءه الأمر على ما التزم. فجمع عساكره والتقى مع ابن الجانبولاط في قرب حماة فانكسر ابن سيفا ، واستولى ابن الجانبولاط على أثقاله وفرّ ابن سيفا إلى دمشق. وسار ابن الجانبولاط إلى طرابلس واستولى عليها وضبط ما وجده فيها من الأموال. وفي يوم السبت من أواسط جمادى الآخرة سنة ١٠١٥ التقى ابن الجانبولاط بعسكره مع عساكر دمشق في وادي دمشق الغربي ، فما مرّ مقدار جلسة خطيب إلا وانكسر عسكر دمشق وتقدم ابن الجانبولاط لنهب دمشق. ثم صالحوه على مائة وعشرين ألف قرش ورحل عنهم عائدا إلى حلب. وفي طريقه صالح ابن سيفا وصاهره ثم سار إلى حلب وجاءته الرسل من جانب السلطنة تقبّح عليه ما فعله بالشام ، فكان تارة ينكر فعله وتارة يحيل الأمر على عسكر الشام. وشرع بسد الطرقات وبقتل من يعرف أنه سائر إلى طرف السلطنة ، وأخاف الخلق ونفذ حكمه من آذنة إلى نواحي غزة.
وانقطعت أحكام السلطنة من البلاد المذكورة سنتين ووقعت الوحشة وانقطعت الطرقات ، إلى أن أمر السلطان وزيره الأعظم قويجي مراد باشا السردار بالمسير إلى ابن الجانبولاط وغيره من العصاة في نواحي آذنة وسيواس وغيرهما. فخرج الوزير من «إسكدار» ومعه من العساكر الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف ، ما بين فارس وراجل. فمر في طريقه على الخوارج المذكورين وأبادهم. ثم قصد جهة حلب ولما بلغ خبره مسامع ابن الجانبولاط وضع أثقاله بقلعة حلب وحصّن أسوار البلد وتأهب لملاقاة العساكر ، وأرسل فرقة من أجناده لتحصين جبل بقراص ليمنعوا العساكر من المرور. غير أن مراد باشا لم يأت من هذا الطريق الضيق إنما أتى من جبل قاز فلم يشعر ابن الجانبولاط إلا وعساكر