الوزير قد دهمته ، وكان الحرب نهار الثلاثاء ثالث رجب سنة ١٠١٦ بأرض مرج دابق من أعمال قنّسرين ، وكان مع ابن الجانبولاط من العسكر زهاء أربعين ألفا ، وقد انضم إلى الوزير ذو الفقار رستم باشا حاكم مرعش ومعه عساكر ذي القدرية (١). فلما اشتبك الحرب بين الفريقين كادت تكون الغلبة لابن الجانبولاط ثم عادت الكرة عليه وقتل من عسكره نحو سبعة وعشرين ألفا وولى منهزما لا يلوي على أحد حتى وصل إلى مسقط رأسه كلّز. فلم يقرّ له قرار فيها وجاء إلى حلب وصادر عدّة من أغنيائها وصعد القلعة ومعه بعض رؤساء عسكره فاستقام ليلة ونزل منها معوّلا على الفرار. فخرج من باب بانقوسا فصاحت عليه النساء من الأسطحة بالويل والثبور وعظائم الأمور وصرن يقذفن عليه القذر والنجاسات. وبعد أن خرج من حلب اختفى ببعض بساتينها.
أما مراد باشا فإنه في ثاني يوم من الوقعة توجه إلى حلب واجتاز بطريقه إلى كلّز للتفتيش على ابن الجانبلاط فلم يره ، فضبط جميع أمواله لبيت المال ، وتوجه منها إلى حلب فوصل إليها في التاسع عشر رجب وضرب خيامه في الميدان الأخضر ، واستقبله أعيان البلدة ووجهاؤها وهنّؤوه بالظفر والنصر. ثم التفت الوزير إلى استخلاص القلعة من أيدي بعض أعوان الجانبولاط فرام محاصرتها ، فتحقق من فيها بأن كل محصور مأخوذ فطلبوا من الوزير الأمان فأنزلهم بأمانه ، وكانوا نحو ألف رجل وكان منهم نساء ابن الجانبولاط. فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل الوزير فأشار إلى النساء أن يسكنّ في مكان معلوم ، وفرق الرجال على أرباب المناصب ، وطلع إلى القلعة ورأى فيها ما لا يدخل تحت الحصر من أموال ابن الجانبولاط فضبطه كله إلى بيت المال. ثم شرع يتجسس في حلب على الأشقياء وأتباعهم فقتل منهم جماعة ، وقرر الراحة في حلب وولّى عليها حسين باشا وولّى قضاءها جشمي أفندي قاضي العسكر. ونظم أمور العسكر وأكمل الشتاء في حلب ثم أقلع عنها.
وأما ابن الحانبولاط فإنه هرب إلى ملطية ثم سار منها إلى الطويل الخارج على الدولة في بلاد الأناطولي ، وأراد أن يتحد معه فقال له الطويل : أنا وإن كنت مسمّى بالعاصي لكني ما وصلت في العصيان إلى رتبتك. فرحل عنه بعد ثلاثة أيام وسار إلى العبد السعيد ومعه ابن قلندر ، فتلقوه وعظموه وأرادوا أن يجعلوه رئيسا عليهم فشرط عليهم شروطا
__________________
(١) انظر حاشية المؤلف عند كلامه على حوادث سنة ٧٦٧ ه.