واليا عليهم إلا محمد علي باشا. فأجابهم إلى ما طلبوا وكتب بواقعة الحال إلى الباب العالي ، وعندها صدرت الأوامر السلطانية بإقرار محمد علي باشا واليا على مصر بشروط معلومة وذلك في صفر سنة ١٢٢٠ ولما تمكنت ولايته ورسخ قدمه بدأ ببقية المماليك فأبادهم ثم شرع بإصلاح أحوال مصر وإقليمها حتى استقام له ما أراد ، وانتشرت فيها الصنائع والفنون وارتقت إلى أعلى ذروة في الكمال.
وأما سبب مسير ولده إبراهيم باشا إلى الديار الشامية : فهو أن عبد الله باشا والي عكّة لما أشهر العصيان على الدولة وأرسلت له درويش باشا وحاصره وضيق عليه ، استغاث بمحمد علي باشا فشفع له عند الدولة وخلصه من عقابها. غير أنه بعد مدة يسيرة حجد معروفه وشرع يطعن به ويذكر مثالبه ، فتكدر منه محمد باشا وكتب للدولة بعزله فلم تجبه. وعظم عليه ذلك فجهز ولده إبراهيم باشا لمحاربته فخرج من الإسكندرية في غرة جمادى الأولى سنة ١٢٤٧ وفي خمسة أيام وصل إلى حيفا وخيّم بها وسيّر باقي الجيش برا إلى عكا ، فوصلوها في عشرين تشرين الثاني سنة ١٨٣١ م وبعد بضعة أيام وصل إليها إبراهيم باشا وبنى تجاهها المتاريس وكاتب عبد الله باشا بالصلح فلم يفعل ، وحينئذ أمر إبراهيم باشا بإطلاق المدافع على أسوار عكا وذلك في رابع يوم من رجب سنة ١٢٤٧ وكتب للأمير بشير حاكم لبنان أن يحضر لمعاونته ، فامتنع أولا ثم أجاب وحضر ، فسرّ به إبراهيم باشا وأقره على حاكمية لبنان. وكان إبراهيم باشا قد أرسل أحد قواده لافتتاح بلاد الساحل فافتتحها.
ولما بلغت القضية مسامع الدولة العثمانية عظم عليها الأمر وكتبت لوالي حلب بيرقدار محمد باشا أن يجهز جيشا تحت قيادة حسين باشا لمحاربة إبراهيم باشا. فحصن حلب وجمع العساكر وتوجه إلى حمص في سبعة آلاف فارس من الأرناوود والهواري والعربان ، وصحب معه أمين النزل يوسف باشا شريف زاده ، السالف الذكر ، ودخلها وحصّن قلعتها وعسكر في نواحيها ينتظر قدوم العساكر من دار السلطنة ، وأرسل أمامه عثمان باشا مع أربعة آلاف مقاتل لمحاربة المصريين ، فسار إليهم واستولى على اللاذقية وتقدم إلى جهة طرابلس والتقى بشرذمة من العساكر المصرية وكان مقدمتهم الأمير خليل بن الأمير شهاب ، وجرت بينهم وقعة عظيمة انكشفت عن انهزام عثمان باشا. ولما بلغ إبراهيم باشا هذا الخبر وأن محمد باشا معسكر بحمص ، مشى نحوه وترك نفرا من عسكره عند عكا وقد كاد أن يفتحها ،