الأفلاك ، الملك الوهاب ، جاعل الشمس ضياء والقمر نورا ، وقدّره منازل لنعلم عدد السنين والحساب. أما بعد فإن أولى ما يفتتح به الكلام في هذا المقام رفع أكفّ الضراعة والابتهال إلى المولى المتعال ، مانح النوال وسامع السؤال ، بدوام أيام مولانا إلخ. وهو دعاء طويل سلكنا فيه على أسلوب ذلك الزمن. ثم قلت بعد ذلك :
هذا وإن بلدتنا الشهباء لم يمض عليها غير ردح من الزمن تحت ظل عناية هذا السلطان الأعظم حتى استبدلت خرابها بالعمار ، ووحشتها بالأنس وخمولها بالانتباه وخوفها بالأمن ، فاتسعت فيها الشوارع وكثرت المهايع (١) وأقبل الناس بكل جد ونشاط على تملك الأراضي ، واتسع نطاق العمران وأصبحت الشهباء بسعتها وضخامتها ضعفي ما كانت عليه. كل ذلك في برهة من الزمن يصعب على من كان غائبا عن حلب أن يتصورها. بلغت هذه الغاية العظيمة بأقل من نصف قرن. وها هي الآن يتعزز جمالها ويتتوج هام كمالها بتاج يحلو للعيون منظره ، ويلذّ للآذان خبره ، ويعمّ نفعه البعيد والقريب ، ويشمل شرفه الوطنيّ والغريب ، به تفصل الشهور والأعصار ، وتعلم الأوقات من الليل والنهار ، ألا وهو الساعة التي كانت ولادتها في الشرق وحضانتها في الغرب فما أحرى بالوالد أن يحضن ولده وبالممدّ أن يتفقد مدده ، وهذا هو أسّ منارتها التي ستكون بعظمتها ناطقة بهمم الرجال أولي المجد والإقبال إلخ.
وقد أرخها الشاعر الأديب عبد الفتاح الطرابيشي بقوله :
قد شاد (٢) بالشهبا منارة ساعة |
|
تزهو بإتقان وحسن صناعة |
في دولة الملك الحميد المرتجى ال |
|
ثّاني الذي ساس الورى بدراية |
وبهمة الوالي الرؤوف أخي الحجا |
|
وصنيع قوم من أعاظم سادة |
فهم رجال قد روى تاريخهم : |
|
لعلائهم حتى قيام الساعة |
وقال أيضا :
لقد شيد في الشهبا منارة ساعة |
|
بعصر حميد عن علاه غدت تروي |
__________________
(١) المهايع : جمع «المهيع» وهو الطريق البيّن الواسع.
(٢) كذا في الأصل ، ولعل الصواب : «شيد» كما سيأتي بعد خمسة أسطر.