(٤) جهل الملوك واستبدادهم وسفاهتهم.
(٥) تربيتهم رجالا من العناصر المختلفة كالعرب والأرمن وتسليمهم أمور الدولة.
(٦) هوس روسيا بالانتقام لمملكة بيزنطية ، واستمرارها على محاربة تركيا لتحقيق هذا الغرض.
ثم قال المؤرخ التركي ما معناه : إن الحكومة العثمانية تذرعت بالمعنويات دون الماديات ، وإنها بدلا من تجمع العنصر التركي تحت علم واحد صرفت جهودها إلى أواسط إفريقية وإلى أوربا ، وأهملت العالم التركي الذي كان يجعلها في حرز منيع من غارات أوربا ويكفيها شرّ عداوتها ، وإنها جعلت للغة العربية والفارسية سبيلا للعبث باللغة التركية فعاث بأهلها الفقر والجهل.
قال الأستاذ السيد محمد كرد علي ، بعد أن أتى على ذكر هذه الأسباب مفصلا : ونحن نقول إن السبب الأعظم لانقراض الدولة العثمانية تغافلها عن تقليد الغرب في الماديات والمعنويات ، فظهر على توالي القرون الفرق بين الخامل والعامل. وإن تركيب الدولة من عناصر مختلفة ـ معظمها غير مسلمين ـ كان من جملة الدواعي في عدم تركيبها تركيبا مزجيا ، خصوصا ومعظم تلك العناصر أرقى من الترك الأصليين عنصرا أو أكثر ذكاء وأعظم تاريخا ، ولا عيش للمتوسط مع الذكي ، وإذا أخضعه لسلطانه بالقوة فإلى حين.
أقول : ليس جميع ما ذكر المؤرخ التركي ـ من أسباب انقراض الدولة العثمانية ـ مما يسلّم به جدلا. ولو لا خوف الإطالة لفندنا معظمه. على أن هناك سببين قويين لانقراض الدولة العثمانية أشار المؤرخ المذكور إلى أحدهما ، ولم يوفّه حقه من التفصيل والبيان وأهمل ذكر الآخر بتاتا :
أما السبب الأول الذي أشار إليه : فهو عداء روسيا وإرهاقها تركيا بالحروب مدة قرون طويلة ، بحيث كانت لا تدع لها مجالا لتنظيم صفوفها وإعداد قواتها البحرية والبرية للحرب التالية إلا وتباغتها بالحرب مباشرة أو بالواسطة.
فروسيا هي التي كانت تعوق تركيا عن مماشاة أوربا في مهماتها الحربية وأعمالها الاقتصادية ؛ لأنها كانت متى أحست بنسمة انتعاش تهب عليها تعاجلها بالحرب مباشرة