أو تسعى بعرقلة مساعيها بواسطة إثارة القيام عليها من قبل إحدى الأمم التي تمت إليها بأواصر العنصرية أو وحدة المذهب.
سبب هذا التسلط :
وكان سبب هذا التسلط غلطة من الملوك العثمانيين أوقعهم فيها اغترارهم بقوتهم واستخفافهم بقوة روسيا ، وإهمالهم ردعها حينما كانوا قادرين عليه ، ومغادرتهم إياها متسلطة على ممالك خانات (١) القريم.
وبيان ذلك أن خانات القريم والدشت كانوا هم المسيطرين على الروس مدة مئة وخمسين سنة ، بحيث كان كناز الروس كالعامل لهم على مملكته ، كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الذي سبق بيانه من هذا الجزء تحت عنوان (إجمال في الأتراك). ثم لما وقع الخلف بين خانات القريم والدشت ، ودخل تيمورلنك بلادهم وخربها واستولى على قسم عظيم منها ـ واشتغل الخانات بقتال بعضهم ـ اغتنم الروس هذه الفرصة وقاموا نحو بلاد الدشت ، فطمت بحار غلبتهم عليها وكادوا يعمّونها بالاستيلاء ، وكان الملوك العثمانيون ـ في ذلك العهد ـ في عصرهم الذهبي ، بحيث كان يمكنهم أن ينضموا إلى خانات القريم ويصدوا تغلب الروس عليهم ، غير أنهم تركوا الخانات وشأنهم مع الروس ، قصد أن توهنهم الروس وتضعف سطوتهم ، وحينئذ يجهز العثمانيون على ما تبقيه الروس من بلادهم فيستولون عليها بأدنى عناء.
ووجه الغلط في هذه المسألة هو أن العثمانيين ـ اغترارا بقوتهم ـ لم يفكروا بأن ممالك الخانات كانت سدا منيعا بينهم وبين الروس ، كما أنهم ـ استخفافا بالروس ـ لم يخطر لهم على بال بأن روسيا ستبلغ باستيلائها على ممالك الدشت والقريم غاية القوة والعظمة ، وأنها متى استولت على ذلك السدّ تجرّها عظمتها إلى الطمع بالمملكة العثمانية والاستيلاء على القسطنطينية مملكة البيزنطيين.
السبب الثاني لانقراض الدولة العثمانية :
السبب الثاني لانقراض هذه الدولة هو جنودها المؤلفة من الانكشارية ، فإنهم بعد أن افتتحت الدولة بسيوفهم ذلك الملك العظيم داخلهم الغرور واستولى عليهم الكسل والشّره
__________________
(١) الخانات : الملوك ، والمفرد «خان» مختصر «خاقان» بلغة التتر. ثم لقب السلاطين العثمانيون ب «خان».