(٢) كان الحلبيون يسمعون بما كان يجريه متطوعة الأرمن في الجيش الفرنسي في بيروت من الخيلاء والعجرفة ، وأنهم أطلقوا بنادقهم على بعض الوطنيين فقتلوهم ، وأنهم تمردوا على الجيش الفرنسي في إسكندرونة حتى اضطرت القيادة إلى أن تنقلهم إلى أذنة.
(٣) تظاهر غوغاء الأرمن في حلب بمظاهر العظمة والكبرياء ومقابلتهم الحلبيين بغير الوجه الذي كانوا يقابلونهم به في الأمس ، يقابلونهم بوجه عليه سيماء التّيه والسخط ، ويخاطبونهم بألفاظ خشنة لم يألفوا سماعها منهم قبل ذلك.
لم كان هذا الانقلاب من هذه الزمرة مع الحلبيين؟ وما هو الحامل لها عليه؟
كان سببه بصيص ضوء أبصرته من لفتة شملتهم من عناية الإنكليز بشأنهم ، فعظمت نفوس الطائشين منهم وطفقوا يسيئون التصرف مع الحلبيين ، ويقلبون لهم ظهر المجن في معاملاتهم. ولم يقفوا عند هذا الحدّ بل صار الكثير منهم جواسيس للإنكليز ينقلون إليهم عن الحلبيين أخبارا ملفقة لا ظل لها في الحقيقة.
(٤) تعدّي جماعة من تلك الزمرة على الباعة ؛ بتكليفهم صرف الورقة المصرية بالنقود المعدنية على معدّل قيمتها المحررة بها ، مع أن قيمتها التجارية دون ذلك بكثير. فكان الباعة يخسرون أموالهم ولا يقدرون على الامتناع عن صرف الورقة على هذا المعدل خشية من عقوبة القانون.
(٥) كان فريق من تلك الزمرة يختلقون كل يوم الحيل والخدع في اختلاس أموال التجار الحلبيين ، حتى شاع عنهم هذا الأمر وصار الحلبيون يتحدثون به في مجتمعاتهم ومجالسهم : من ذلك أن أرمنيا عرض على تاجر حلبي نموذجا من دبس الطماطم ، وأخبره أنه يوجد عنده منه سبع صفحات (١). فرغب الحلبي بشرائها وطلب من الأرمني إحضارها فأحضرها إليه وقد فتح في كل صفيحة دائرة في زاويتها ليطلع المشتري على ما في ضمنها من الدبس. ولما غمس التاجر إصبعه بالدبس من هذه الفتحة وذاقه تبين له أنه دبس جيد. فاشترى الصفحات كلها بثمن مثلها ، ودفع قيمتها إلى الأرمني ، فأخذ القيمة وانصرف.
__________________
(١) كذا وردت عند المؤلف ، وتكررت بالصورة نفسها عدة مرات ، مع أنه استعمل مفردها : «الصفيحة» وكان الوجه أن يقول في جمعها : «صفيحات» أو «صفائح».