ولما فتح التاجر إحدى الصفحات وجدها ممتلئة بمطبوخ القرع الشتوي الملون بالمغرة (١) ، ورأى في الفتحة التي ذاق منها الدبس ماسورة من الصفيح ممتلئة من الدبس الجيد قد سدّ أسفلها الذي يلى أسفل التنكة وفتح أعلاها الذي ذاق منه الدبس ، ثم فتح بقية الصفحات فرآها كلها مثل الصفيحة الأولى ، فساءه ما رأى وعلى الفور أخذ بالبحث على الأرمني واستقصاء أثره فلم يظفر به. وأخيرا علم أنه سافر من حلب على أثر تدبيره هذه الحيلة.
ومن ذلك أيضا أن أرمنيا اشترى من تاجر حلبي صفيحة سمن ، وطلب من التاجر أن يحمّلها إلى خادمه ويتبعه بها إلى بيته ليدفع له ثمنها. فحملها الخادم ولما وصل إلى بيت الأرمني تناول الصفيحة من الخادم ودخل داره ليأتي بثمن السمنة ، فوقف الخادم ينتظره فلم يخرج إليه. ولما طال عليه أمد الانتظار طرق باب الدار وسأل عن الأرمني فقيل له : إن لهذه الدار بابين ، وهي ليست بدار بل هي مكان يأوي إليه فقراء الأرمن وحجّاجهم ، وإن الأرمني الذي أخذ السمن دخل من أحد البابين وخرج من الباب الآخر ، وإنه لم يكن من سكنة ذلك المكان ، ولا هو معروف عند أهله.
تكررت هذه الحيل من أفراد هذه الزمرة مع التجار الحلبيين على أنحاء شتى وضروب مختلفة ، وشاعت أخبارها بين الحلبيين فحقدوا على الأرمن وحلّ في قلوبهم الضغينة عليهم ، بدل ما كانت تجنّه من الرأفة فيهم.
(٦) كان عند الحلبيين عدد كبير من بنات الأرمن وأطفالهم ، آووهم في أوائل قدوم جالياتهم إلى حلب ، وقد التقطوهم من الأزقة والأماكن المهجورة وأزالوا الشقاء عنهم واعتنوا بتربيتهم عنايتهم بأولادهم. والبعض منهم اتخذوا من فتياتهم البالغات زوجات شرعيات واستولدوهنّ عدة أولاد. ولما دخل الإنكليز إلى حلب اهتمت جمعية الصليب الأحمر بجمع أطفال الأرمن وبناتهم من بيوت الحلبيين. ونحن لا نلوم الطائفة الأرمنية على استرداد أولادهم وأطفالهم إلى أحضانهم ، لأن هذا مما توجيه القومية عليهم ، إنما نلومهم على استعمال العنف وترك الرفق في سبيل البلوغ إلى هذا الغرض ، فقد كان أقارب الأطفال والبنات يقصدون بيت الحلبي للتفتيش على أولادهم ، ويدخلون عليه دخول مهاجم على ذي جريمة ، ويأخذون الولد أو البنت قسرا ويعاملون مربّيها أو زوجها بكل عنف وقساوة
__________________
(١) المغرة : مسحوق أحمر يصبغ به.