هيبته وعظمت صولته ، وانحطت المملكة انحطاطا زائدا ، إلى أن أنهضها من عثرتها القديس منصور دي بول المعروف بمحبة الفقراء.
وفي سنة ١٦٦١ مات مازارين ، وكانت فرنسا حينئذ أعظم دولة في أوربا ، وقام الملك لويس الرابع عشر بتدبير الملك بنفسه ولم يعيّن وزيرا. وكان جبارا عنيدا حريصا على كرسي الملك ، فكثر العصاة والمتمردون وقد عجز عن إخضاعهم ، واضطر إلى أن يعين يوحنا كولبير وزيرا للبحرية والمالية فأحسن القيام بهما ، واعتنى بشأن الزراع وأمد التجار وخفض الضرائب ، وأسس المعامل وقوى البحرية التجارية ، واجتهد بتحصين البحرية الملوكية ، وعين الملك أيضا (لوغوا) وزيرا للجهادية فنظم الجندية. ثم إن الملك بعد موت وزيره كولبير اضطهد البروتستان وسلبهم الحرية الدينية التي كانوا منحوها من قبل هنريكوس الرابع وريشليو ، ونادى الملك أيضا بإلغاء منشور «تنط» الشهير. وكان ذا عظمة في قصره قد حف به طائفة من الأدباء والخطباء والفلاسفة والقواد والوزراء ، حتى إنه كان يسمى الملك العظيم أو الملك الشمس ، وسميت أيامه أيام لويس الرابع عشر.
وفي سنة ١٧١١ مات ابنه ولي العهد ، ثم ماتت حفدته ولم يبق له وارث سوى ابن حفيده الدوك نورمنديا ، وقد استغرق في محاربة دول أوربا مدة ثلاث وثلاثين سنة وحاز انتصارات باهرة أفزعت أوربا ، وقامت فرنسا في وجهها كلها حتى سنة ١٦٦٨ إلا أن فرنسا بعد ذلك أنهكتها الحروب وأخذت ترجع إلى الوراء لا سيما لما تملك على إنكلترة غليوم دورانج عدوّ فرنسا العظيم ، فإن فرنسا قد تمكن منها الضعف وخسرت كثيرا من بلادها.
وفي سنة ١٧١٥ م / ١١٢٧ ه و ١١٢٨ ه توفي الملك لويس الرابع عشر وخلفه لويس الخامس عشر ، وهو ابن حفيده. وكان لويس الخامس عشر صغيرا فقام بإدارة الملك بالنيابة عنه جماعة من عظماء المملكة خدموا منافعهم الذاتية فعزلوا سنة ١٧٢٦ م / ١١٣٩ ه وتعين بدلهم الكردينال فلوري ، فتوصل بدهائه إلى أن جعل فرنسا تربح مقاطعة اللورين. ثم مات الكردينال فلوري واستقل لويس الخامس عشر بإدارة الملك وكان منهمكا بالملذات غير ملتفت إلى الملك ، فانحطّت المملكة في زمانه ، ونشبت الحرب بين فرنسا وبروسيا مدة سبع سنوات ، أي من سنة ١٧٥٦ م / ١١٧٠ ه إلى سنة ١٧٦٣ وكانت النتيجة انكسار فرنسا برا من قبل بروسيا ، وبحرا من قبل إنكلترا. وخسرت فرنسا