التبرّي من كلّ حول وقوّة ، والاعتماد على حول الله وقوّته ، وهو موقوف على أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأنّه لا فاعلَ إلّا الله ، وأنّه لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، وأنّ له تمام العلم والقدرة على كفاية العباد ، ثمّ تمام العطف والعناية والرحمة بجملة من العباد والآحاد ، وأنّه ليس وراء منتهى قدرته قدرة ، ولا وراء منتهى علمه علم ، ولا وراء منتهى عنايته عناية. فمن اعتقد ذلك اتّكل قلبه لا محالة على الله وحده ، ولم يلتفت إلى غيره ، ولا إلى نفسه أصلاً ، ومن لم يجد ذلك من نفسه فسببه : إمّا ضَعف اليقين ، أو ضعف القلب ومرضه باستيلاء الجبن عليه وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه (١).
ويضيف رحمه الله قائلاً : موضوع التوكّل الذي هو من مراتب التوحيد أن تنكشف للعبد بإشراق نور الحقّ بأنّه لا فاعل إلّا هو ، وأنّ ما عداه من الأسباب والوسائط مسخّراتٌ مقهورات تحت قدرته الأزليّة ... (٢).
والتوكّل منزل من منازل السالكين ، ومقام من مقامات الموحّدين ، بل هو أفضل درجات الموقنين ، ولذا ورد الترغيب فيه في الكتاب والسنّة ، قال الله تعالى : (وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (٣).
وقال سبحانه : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤) ، أي عزيز لا يُذِلُّ من استجار به ، ولا يضيّع مَن لاذ بجنابه ، وحكيم لا يقصر عن تدبير من توكّل على تدبيره. قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مَنِ انقطع إلى الله كفاه الله مؤونتَه ، ورَزَقَه من حيث لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ جامع السعادات ٣ : ٢١٨ ـ ٢١٩.
٢ ـ نفسه ٣ : ٢٢٠.
٣ ـ المائدة : ٢٣.
٤ ـ الأنفال : ٤٩.