إنّ الدرهم والدينار قد أغرى أصحاب النفوس الضعيفة فباعوا آخرتهم بدنياهم ، وانحازوا إلى جانب الطغاة طمعاً في مالهم ، ووضعوا لهم الأحاديث ، وأقاموا مجالس الوعظ والإرشاد لتخدير الشعوب ، وتركيع الأفراد على أقدام السلاطين الخارجين عن الإسلام ، السافكين للدماء ، السارقين لثروات شعوبهم.
قال الإمام الحسن عليه السلام لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام : يا أبه ، أما ترى حبّ الناس للدنيا؟ فقال عليه السلام : هم أولادها ، أفيُلام المرءُ على حبّ والدته؟! (١)
قال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام في حديث : فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة (٢).
وورد في «الكافي» في كتاب الإيمان والكفر في باب حبّ الدنيا والحرص عليها : يُنقَل أنّ عيسى بن مريم عليه السلام مرّ على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابّها ، فقال عليه السلام : أما إنّهم لم يموتوا إلّا بسخطة ، ولو ماتوا متفرّقين لتدافنوا ، فقال الحواريّون : يا روح الله وكلمته ، أُدعُ الله أن يُحْيِيَهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنَجْتنبَها.
فدعا عليه السلام ربّه فنُودي من الجوّ أن نادِهِم ، فقام عيسى عليه السلام بالليل على شُرَف من الأرض فقال : يا أهل هذه القرية ، فأجابه منهم مجيب : لبّيك يا روح الله وكلمته.
فقال عليه السلام : ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال : عبادة الطاغوت ، وحبّ الدنيا ، مع خوف قليل وأمل بعيد ، وغفلة في لهو ولَعِب.
فقال عليه السلام : كيف كان حبّكم للدنيا؟ قال : كحبّ الصبيّ لأمِّه ، إذا أقبَلَت علينا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ عليه السلام ٢ : ١٥٥.
٢ ـ الكافي ٢ : ٣١٧ / ح ٨.