من الكِبْر والطغيان والتسلّط ، ولكنّ الإسلام أمر بالرحمة بتغليب جانب العقل على العاطفة في عالم التطبيق والتصرّفات العملية. ونشير إلى حقيقتين مهمّتين :
١. إنّ الرحمة لم يؤمر بها أو يندب إليها على وجه الإطلاق ، خصوصاً في عالم الاجتماع ، لأنّ هذا يؤدّي إلى انفلات النظام ، وفقدان الأمن الاجتماعي ، فلا ينال الظالم جزاءه ، ولا الباغي عقوبته.
٢. إذا نادى العقل والضمير بتحكيم مبدأ الرحمة ، فعلينا أن ننظر بوعي إلى المصالح الاجتماعيّة ، والأحكام الشرعيّة التي جاءت لتنظّم حياة الإنسان : الفرد والمجتمع ، ولا يكون ذلك إلّا بعد استتباب جانب العدل كمرحلة متقدّمة على الإحسان : (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١).
إنّ المراد بالعدل هو الإنصاف ، ولزوم التوازن والاعتدال ، والاجتناب عن جانبي الإفراط والتفريط في الأمور. والعدل هو المساواة والموازنة ، ووضع كلّ شيء موضعه ، فيُثاب المحسن ويُعاقَب المسيء.
أمّا الإحسان ، فالمراد منه مقابلة الخير بالأكثر ، ومقابلة الشرّ بالأقلّ ، وربّما بالعفو ، وقد يكون له الأثر الإيجابيّ في نشر الرحمة وغرس المودّة ، واستجلاب الأمن والرفاه للفرد والمجتمع.
وقد يكون للإحسان مع غير أهله آثار سلبيّة ، تصادر الأمن الفرديّ والاجتماعيّ ، فقد رأينا سماسرة السياسة ، خِدمةً لمصالحهم وتحقيقاً لمآربهم القذرة ، يصدّرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ النحل : ٩٠.