القرارات والمراسيم للعفو عن السجناء من القتلة والسرّاق ، والباغين والمعتدين ، وبعد خروج هؤلاء إلى الساحة الاجتماعيّة تتجدّد شرورهم وجرائمهم ثانية ، بل بشكل أشدّ. ونعم ما قيل : من أمن العقاب أساء الأدب (١).
وقال الشاعر زهير بن أبي سلمى :
وَمَنْ يَجعلِ المعروفَ في غير أهلِهِ |
|
يكنْ حمدُهُ ذمّاً عليهِ ويندمِ (٢) |
ورُوي أنّ أحد المشركين جيء به أسيراً إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ، وكان في عداد مَن أمر النبيّ صلى الله عليه وآله بقتلهم ، فقال : يا محمّد ، إنّ بيني وبينك رحماً ولي صِبْية صغار ، فاتركني للصِّبْية. فعفا عنه واشترط عليه أن لا يخرج لقتاله. فذهب إلى نوادي قريش وقال : ضحكتُ على محمّد! فلمّا جيء به ثانية أسيراً لخروجه لقتال النبيّ صلى الله عليه وآله ، قال : يا محمّد ، مَن للصبية؟
فقال صلى الله عليه وآله ما معناه : لهم النار ، أتريد أن تعود إلى نوادي قريش وتقول : خدعتُ محمّداً مرّتين؟ ثمّ أمر النبيّ صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام فضرب عنقَه (٣).
إنّ الخيرات الإلهيّة والنعم الإلهيّة تصدر عن الله سبحانه ، وتفيض من خزائن رحمته بلا انقطاع ، وتسيل من بحار كرمه دون توقّف ، فما على العبد إلّا أن يتعرّض لها ، وهذه النعم هي موائد الله في الأرض ، فمنهم من يُعاطاها بدون مقابل ولا جزاء ، فتشمل البَرَّ والفاجر ، وهناك موائد خاصّة للعباد الذين أخلصوا لله ، كلّ حسب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ قولٌ جرى على لسان الخاصّ والعامّ.
٢ ـ جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشيّ : ١٦٣.
٣ ـ هذا الشخص هو أبو عزّة الجُمَحي ، وقع أسيراً يوم بدر فأطلقه النبيّ بعد أن استعطفه ، فلمّا كانت أحد خرج لحرب النبيّ صلى الله عليه وآله مرّةً أخرى فوقع أسيراً مرّةً أخرى. [سنن البيهقي ٦ : ٣٢٠]