أو الفقر مثلاً ، فهل تصحّ منهم التوبة؟ نعم ، تصحّ التوبة عمّا يماثل تلك الذنوب والجرائم ، لأنّ باب التوبة مفتوح ، ورحمة الله تسع كلّ شيء ، ولأنّ التوبة صادرة عن علم ويقين بأنّ الذنوب التي قارفها تُبعده عن ساحة القرب الإلهيّ ، ولو كان قادراً عليها في الحال فإنّ ورعه وتقواه ومعرفته سوف تصدّه وتمنعه من المقارفة.
إنّ ظُلْمة النفس وكدورة القلب الحاصلة بعد اقتراف الذنب ، تنمحي بحرقة الندم ولوعة الأسف ، وبمجاهدة النفس على ترك المعاصي والاستباق إلى الخيرات ، وقد سُميّ ذلك على لسان الروايات بالجهاد الأكبر.
وقد أُمِرنا بالتوبة النصوح التي هي من أعظم مصاديق التوبة وأرقاها مرتبة ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (١) ، فالآية تشير إلى تكفير الذنب بالتوبة النصوح ، وكلّ «عسى» من الله واجبة على ما يقوله أساطين الفنّ وأرباب الصناعة (٢).
أمّا المراد بالتوبة النصوح فهي التوبة المتّصفة بالتوجّه النفسيّ الخالص ، البعيد من كلّ غرض خارجيّ ، كالخوف والطمع أو السلطان وغيرها ، وهي التوبة المنبعثة عن وعي وبصيرة وعلم يمنع صاحبه من العود إلى الذنب ، ويدلّ على ذلك ما ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في بيان معنى التوبة النصوح ، قال عليه السلام : يتوب العبد من الذنب ثمّ لا يعود فيه (٣).
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله قوله : أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب ، فيعتذر إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ التحريم : ٨.
٢ ـ التبيان للطوسيّ ٥ : ١٨٩.
٣ ـ الكافي ٢ : ٤٣٢ / ح ٣.