قال الإمام الصادق عليه السلام : ليس شيء إلّا وله حدّ ، قيل : فما حدّ التوكّل؟ قال عليه السلام : اليقين ، قيل : فما حدُّ اليقين؟ قال : ألّا تخافَ مع الله شيئاً (١).
وروي عنه عليه السلام أيضاً أنّه قال : كان قنبر غلامُ عليّ يحبّ عليّاً عليه السلام حبّاً شديداً ، فإذا خرج عليّ صلوات الله عليه خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذاتَ ليلة فقال له : يا قنبر ، ما لك؟ قال : جئت لأمشيَ خلفك يا أمير المؤمنين ، قال : ويحك ، مِن أهل السماء تَحرسُني أم من أهل الأرض؟! فقال : لا ، بل من أهل الأرض.
فقال : إنّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئاً إلّا بإذن الله من السماء ، فارجع. فرجع (٢).
ومن لوازم اليقين الخضوع المطلق ، والخشوع العميق لله سبحانه ، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، حبّاً له وشكراً ، وفراغ القلب من شواغل الدنيا وزخارفها ، والعوم في بحار العرفان التي تقود أهل الإيمان إلى خالق الأكوان ، وهؤلاء من النزر القليل الذين صفت نفوسهم من الرذائل والأخلاق المذمومة.
وقد ذكرت لنا كتب السيرة والتاريخ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى بالناس الصبح ، فنظر إلى حارثة بن مالك ، وهو شابّ في المسجد ، وكان يخفق ويهوي برأسه ، مصفرّاً لونه ، وقد نحف جسمه ، وغارت عيناه في رأسه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أصبحت يا فلان؟ قال : أصبحتُ يا رسول الله موقناً.
فعَجِب رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله وقال : إنّ لكلّ يقينٍ حقيقة ، فما حقيقة يقينك؟ فقال : إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني ، وأسهر ليلي ، وأظمأ هواجري ، فعَزَفَت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الكافي ٢ : ٥٧ / ح ١ ـ باب فضل اليقين.
٢ ـ نفسه ٢ : ٥٩ / ح ١٠ باب فضل اليقين.