نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نُصِب للحساب ، وحُشِر الخلائق لذلك وأنا فيهم ، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون ، وعلى الأرائك متّكئون ، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مُصْطَرِخون ، وكأنّي أسمع الآنَ زفير النار يدور في مسامعي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه : هذا عبدٌ نَوَّر الله قلبه بالإيمان.
ثمّ قال صلى الله عليه وآله له : إلزمْ ما أنت عليه ، فقال حارثة : أُدع لي يا رسول الله أُرزَقَ الشهادة معك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبيّ صلى الله عليه وآله فاستُشهِد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر (١).
فهنا صحّ يقين هذا العبد ، فأطلعه الله على بعض أسراره ، وكشف له بعض مغيّباته.
يُرجى من القارئ العزيز ملاحظة هذا التسلسل للوصول إلى اليقين :
المعرفة تقود إلى التصديق ، والتصديق يقود إلى اليقين ، واليقين يقود إلى الإخلاص.
وهؤلاء الموقنون من أصحاب المقامات السامية ، والكرامات العجيبة ، وهذا التجرّد عندهم بسبب العبادة والانقطاع والإخلاص ، جعلهم ينالون بعض مراتب الولاية في التكوين ، فترى بعضهم يسير على الماء ، وآخر يعالج أخطر الأمراض المستعصية بمجرّد اللمس والدعاء.
روي أنّ أحدهم قال للنبيّ صلى الله عليه وآله : رُويَ أنّ عيسى بن مريم كان يسير على الماء ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الكافي ٢ : ٥٣ / ح ٢ ـ باب حقيقة الإيمان واليقين.