قال : نعم ، إنّ ربّي هو البارُّ بي ، وهو الذي يصلني حيث ليس في هذه القرية غيري يعبده (١).
وقلنا في مباحث سابقة : إنّ الذنوب والمعاصي تشكّل رَيناً وحجاباً على القلب فتشوّش عنده الرؤيا ، ولكن حين تُصقَل النفس ، وتطهر من الأرجاس المعنويّة ، وتتّصف بالكمال ، وتتحلّى بمكارم الخصال ، فإنّ الله يفيض عليها من مواهبه ما يكشف لها ما غاب عن الأبصار.
قال النبيّ صلى الله عليه وآله : لو لا أنّ الشاطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض (٢).
قال سلام بن المستنير : كنت عند أبي جعفر «الإمام الباقر» عليه السلام ، فقال له حُمران ابن أعيَن : أُخبرِك ـ أطال الله بقاءَك لنا وأمتَعَنا بك ـ أنّا نأتيك ، فما نخرج من عندك حتّى تَرِقَّ قلوبنا ، وتَسْلوَ أنفسنا عن الدنيا ، ويَهُون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال ، ثمّ نخرج من عندك ، فإذا صِرْنا مع الناس والتُّجار أحبَبْنا الدنيا.
فقال عليه السلام : إنّما هي القلوب ، تصعب مرّةً ومرّةً تسهل.
ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : أما إنّ أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله قالوا : يا رسول الله ، نخاف علينا من النفاق!
فقال صلى الله عليه وآله : ولِمَ تخافون ذلك؟ قالوا : إذا كنّا عندك فذكّرتَنا ورغّبتنا ، وَجِلْنا ونَسِينا الدنيا ، وزَهِدنا حتّى كأنّا نعاين الآخرةَ والجنّة والنار ونحن عندك ، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت ، وشَمَمنا الأولاد ورأينا العيال والأهل ، يكاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ مستدرك سفينة البحار ٤ : ١٥١.
٢ ـ رسائل الشهيد الثاني : ١٣٨ ، بحار الأنوار ٦٠ : ٣٣٢.