لقد أمر الله سبحانه بعبادته وطاعته ، ثمّ قدّم حكم الإحسان والرحمة للوالدين على جميع أحكام الدِّين ، لأهمّية ذلك في بناء المجتمع الإنسانيّ وتوحيده ، وصبّه في بوتقة التوحيد والإيمان والفطرة.
فمقابل أتعاب الوالدين ، أمر الإنسان أن يقدّم فروض الطاعة والذلّ والمسكنة أمامهما ، وأن يحسن معاشرتهما ، ولا يؤذيهما بقول أو فعل ، أو نظرة غضب ، وأمر بالدعاء والاستغفار لهما حيَّينِ أو ميّتين لإطلاق الآية :
قال تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
وفي الخبر عن أبي ولّاد الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ، ما هذا الإحسان؟
فقال عليه السلام : الإحسان أن تُحسن صُحبتَهما وأن لا تُكلِّفَهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مُستغنيَين ، أليس يقول الله عزّ وجلّ : (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (١).
ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : وأمّا قول الله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) قال عليه السلام : إن أضجراك فلا تقل لهما أفّ ، ولا تنهرهما إنْ ضرباك ، وقال عليه السلام : (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) ، قال : إن ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ، فذلك منك قول كريم قال : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ، قال : لا تَملأْ عينَيك من النظر إليهما إلّا برحمة ورِقّة ، ولا ترفع صوتَك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تَقَدَّمْ قُدّامَهما (٢).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ آل عمران : ٩٢.
٢ ـ الكافي ٢ : ١٥٨ / ح ١ ـ باب البِرّ بالوالدين.