الربّ عزّ وجلّ (١).
نقول : إنّ النفوس المقدّسة الراقية تكون عندها الأولويّة معرفة الله ، ومنها تنطلق إلى معرفة النفس والآيات الآفاقيّة ، أمّا النفوس العادية فهي تنظر في الآثار وعظيم الخلق ، وتتفكّر وتتدبر ، فيقودها هذا التفكّر والتدبّر إلى معرفة الربّ ، ولكن هنالك ملازمة موضوعيّة بين المعرفة بالله والمعرفة بالنفس ، فكلّما ازدادت إحداهما ، قابلتها الأُخرى بالزيادة.
يقول السيّد الطباطبائيّ : إنّ القوانين الاجتماعيّة في الإسلام مقدّمة للتكاليف العباديّة مقصودة لأجلها ، والتكاليف العباديّة مقدّمة للمعرفة بالله وبآياته ، فأدنى الإخلال أو التغيير في الأحكام الإجتماعيّة من الإسلام يوجب فساد العبوديّة ، وفساد العبوديّة يؤدّي إلى اختلال المعرفة.
وهذه النتيجة ـ على أنّها واضحة التفرّع على البيان ـ تؤيّدها التجربة أيضاً ، فإنّك إذا تأمّلت جريان الأمور في طروق الفساد في شؤون الدين الإسلامي بين هذه الأمّة ، وأمعنت النظر فيه ؛ من أين شرع ، وفي أين ختم ، وجدت أنّ الفتنة ابتدأت من الاجتماعيّات ، ثمَّ توسّطت في العباديّات ، ثمّ انتهت إلى رفض المعارف ، وقد ذكرنا فيما مرّ أنّ الفتنة شرعت باتّباع المتشابهات وابتغاء تأويلها ، ولم يزل الأمر على ذلك حتّى اليوم (٢).
أُنظر هذا التسلسل رجاءً :
القوانين الاجتماعيّة ، ثمَّ التكاليف العباديّة ، ثمَّ المعرفة بالله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ مصباح الشريعة : ١٣ ـ عنه : بحار الأنوار ٢ : ٣٢ / ح ٢١.
٢ ـ تفسير الميزان ٣ : ٥٩.