الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (١).
إنّ المغرور السادر في غيّه ، السائر وفق أهوائه إلى هدف وهميّ ، لا يعلم أنّه كلّما سار ازداد بُعداً عن تلك الغاية.
روى أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ في كتاب «الاحتجاج» عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : قال عليّ بن الحسين عليهما السلام : إذا رأيتم الرجل قد حسن سَمْتُه وهَدْيُه ، وتماوَتَ في منطقه ، وتخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرّنكم ، فما أكثرَ مَن يُعجزه تناولُ الدنيا وركوب المحارم منها لضعف نيّته (بنيته) ومهانته وجبن قلبه ، فنصَبَ الدينَ فَخّاً لها ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره ، فإن تمكّن من حرام اقتحمه.
وإذا وجدتموه يعفّ عن مال الحرام ، فرويداً لا يغرّنّكم ، فإنَّ شهوات الخَلْق مختلفة ، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها مُحَرّماً ، فإذا وجدتموه يعفّ عن ذلك فرويداً لا يغرّنّكم حتّى تنظروا ما عقده عقله ، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمّ لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسد بجهله أكثرَ ممّا يُصلحه بعقله ، فإذا وجدتم عقله متيناً ، فرويداً لا يغرّنّكم حتّى تنظروا أمع هواه يكون على عقله ، أم يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبّته للرياسات الباطلة وزهده فيها؟ فإنّ في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أنّ لذّة الرياسة الباطلة أفضل من لذّة الأموال والنعم المباحة المحلّلة ، فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة ... ولكنّ الرجل كلّ الرجل ، نِعمَ الرجل ، هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضى الله ، يرى الذلّ مع الحقّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الكهف : ١٠٣ ـ ١٠٤.