قال عليه السلام : المغرور في الدنيا مسكين ، وفي الآخرة مغبون ، لأنّه باع الأفضل بالأدنى ، ولا تعجب من نفسك ، فربّما اغتررت بمالك وصحّة جسدك أن لعلّك تبقى ، وربّما اغتررت بطول عمرك وأولادك وأصحابك لعلّك تنجو بهم ، وربّما اغتررت بجمالك ومُنْيتِك وإصابتِك مأمولك وهواك ، فظننتَ أنّك صادق ومصيب ، وربّما اغتررت بما ترى من الندم على تقصيرك في العبادة ، ولعلّ الله يعلم من قلبك بخلاف ذلك ، وربّما أقمت نفسك على العبادة متكلّفاً والله يريد الإخلاص ، وربّما افتخرت بعلمك ونسبك وأنت غافل عن مُضمَرات ما في غيب الله تعالى ، وربّما توهَّمت أنّك تدعو الله وأنت تدعو سواه ، وربّما حسبت أنّك ناصح للخلق وأنت تريدهم لنفسك أن يميلوا إليك ، وربّما ذممت نفسك وأنت تمدحها على الحقيقة (١).
ولقد رأينا كيف غدرت الدنيا بأبنائها الذين تعلّقوا بكلّ أسباب البقاء بعيداً عن الله ، فهذا فرعون لم يدفع الموتَ عنه جنودُه ، فأخذه الله أخذةً رابية ، وذلك قارون لم ينفعه جمعُه حين خسف الله به الأرض ، وحين حضرت الوفاةُ عمرَو بن العاص نظر إلى مائة صندوق مملوءِ ذهباً فقال : ليتها كانت بعراً ، فمن يأخذها وليتني كنت أبرأ فمن يأخذها وليتني كنت أبرأ! بأيّ وجهٍ ألقى الله ، وقد قاتلتُ عليّ بن أبي طالب ، وأنا أعلم أنّي له ظالم؟! وتسير عجلة الزمان ويطلّ على مسرح الحياة ألفق ألف فرعون ، وألف ألف قارون ، ولكن ما أكثر العبر وأقلّ المعتبرين.
ولقد ابتدأت حياة بني آدم حين نفخ الله من روحه في جسد آدم ، وأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ، فكان الغرور أوّل خطيئة ارتكبها إبليس ، إذ قاده غروره بعبادته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ مصباح الشريعة : ١٤٢ الباب السابع والستون.