للاعتقاد أنّه خير من آدم ، فكيف يسجد الفاضل للمفضول ، والراجح للمرجوح؟
قال الله تعالى في هذه الواقعة الخطيرة التي تمثّل مفترق طرق كثيرة متشعّبة : (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) (١).
لقد قاده غروره إلى أن يبني نتائجه على مقدّمات فاسدة ، ففرض لنفسه الأفضليّة ، لأنّ النار خير من الطين ، ولا علم لنا بأنّ النار أفضل ، بل ربّما أنّ الطين هو الأفضل. وبنى على ذلك التصوّر الفاسد أنّ ذلك السجود لآدم عليه السلام لا للأمر الإلهيّ ، ولا ندري كيف فاته أنّ الملائكة المقرّبين ـ بمن فيهم جبرئيل وميكائيل ـ قد سجدوا جميعاً ، فهل كانوا كلّهم مخطئين ، وهو وحده المصيب؟!
ثمّ جاء الشيطان إلى أوليائه ليصدَّهم عن سبيل الله انتقاماً من أبيهم آدم عليه السلام وذرّيته ليقول لهم : إنّ الدنيا وملذّاتها حاضرة ، وهي بين أيديكم على نحو اليقين ، فكيف تتركونها من أجل نعيم موعود غير مضمون ، إذ ربّما لا تنالونه بالعمل. ولو نظر هؤلاء المغرورون إلى الأمور بعين البصيرة والنقد البنّاء والفكر الصائب لعلموا أنّ اليقين الحقيقيّ لا يتعدّى الآخرة ، وأنّ البقاء والدوام وارتفاع الآلام والمنغّصات لا يكون إلّا عندما يفد الإنسان على ربّه ويفوز برضاه.
وهؤلاء قد يتصوّرون أنّ الله تعالى أكرمهم وخصَّهم بالنعم الوفيرة لمكانتهم عنده وكرامتهم عليه ، وحرم غيرهم منها لخسّتهم وحقارتهم ، وهذا من التخيّلات والتصوّرات الفاسدة. ولم أجد فيما أعلم أبلغ وأروع من خطبة السيّدة زينب عليها السلام بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام في مجلس يزيد حين خاطبته بقولها : أظننتَ يا يزيدُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الأعراف : ١١.