حيثُ أخذتَ علينا أقطارَ وآفاقَ السماء ، فأصبَحْنا لك نُساق كما تُساق الاُسارى ، أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة ، وأنّ ذلك لعظيم خطرك عنده ، فشمختَ بأنفك ، ونظرت في عِطفك ، جَذِلاً مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مُسْتَوسِقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً ، [لا تَطِشْ جهلاً] ، أنَسِيتَ قول الله تعالى : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (١).
ونعم ما قال القائل : وكأنّها عليه السلام تُفرغُ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام (٢).
لقد كان معظم أولياء الله من الفقراء والمعدمين ، وكذلك أتباع الرسل ، لم يذوقوا من الدنيا غير مرارتها وابتلاءاتها وآلامها ، وكانوا يقولون : مرحباً بشعار الصالحين ودثار المتّقين.
وربّما بلغ الغرور إلى نفوس أهل العلم والفقاهة ، فقد نجد في هذا الميدان الشريف من يطلب العلم للجدل والمراء ، والتفاخر والتعالي ، والادّعاءات الباطلة والرياسات المزيّفة ، بعيداً عن قصد القربة ، وعن الأخلاق الفاضلة والملكات الأصيلة اللائقة بسيماء العلماء.
وربّما يتركّز الغرور عند بعض الأغنياء وأرباب الأموال فيأملون الغوز عند الله ببناء مسجد ، أو إكساء فقير ، أو إطعام جائع ، لكنّ بعضهم إذا هجم على موارد الحرام والشبهة ، لا يبالي من أيّ جانب اغترف.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : ينبغي للعاقل أن يحترس من : سُكْر المال ، وسكر العلم ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ اللهوف : ١٠٥ ، بحار الأنوار ٤٥ : ١٣٣ ، وجاء في كتاب الاحتجاج : ٣٠٨ ، والآية في سورة آل عمران : ١٧٨.
٢ ـ مثير الأحزان لابن نما الحليّ : ٦٦ ، الدرّ النظيم : ٥٦٠.