الله تعالى وعظمته ، ولم يشكر النعم التي أفاضها عليه ، والله هو الخالق والرازق ، والمربّي والهادي لهذا الكائن العجيب ، ولقد أكرمه بالعقل ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته ، ولكنّه يركب مطيّة الغرور ، ويتهاون في تطبيق الأحكام ، ويسيء الأدب مع خالقه. هذا الإنسان الذي منّ الله عليه بالاستواء دون مخلوقاته جميعاً ، الاستواء في القوام والشكل ، والجماليّة ، والتكوين الجسديّ والعقليّ والعاطفيّ المتوازن ، وهذه الأعضاء التي تقوم بكلّ وظائفها على أحسن وجه ، وأتمّ شكل.
ثمّ يكشف لنا القرآن عن علّة هذا الغرور بالله فيقول إنّها التكذيب بالدين : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) (١).
إنّ الاستفهام الذي ورد في الآية الشريفة هو استفهام توبيخيّ على كفران النعمة الإلهيّة ، وهنا تنقطع السبل بالإنسان فلا عذر له أبداً.
يقول السيّد الطباطبائيّ قدس سره : وليس للإنسان أن يجيب فيقول : أي ربِّ غرّني كرمك. فقد قضى الله سبحانه فيما قضى ، وبلَّغَه بلسان أنبيائه : (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (٢). وقال : (فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة على أنْ لا مخلص للمعاندين من العذاب ، وأنّ الكرم لا يشملهم يوم القيامة ، قال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) (٤).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الانفطار : ٩.
٢ ـ إبراهيم : ٧.
٣ ـ النازعات : ٣٧ ـ ٣٩.
٤ ـ الأعراف : ١٥٦.