أمشي على الماء ، فدخلني من ذلك عُجْبٌ ، فقال له عيسى : لقد وضعتَ نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه فمقتك الله على ما قلت ... (١).
وورد في الحديث القدسيّ : قال الله تعالى : عجبتُ لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يجمع المال ، وعجبت لمن أيقن بالقبر كيف يضحك ، وعجبتُ لمن أيقن بزوال الدنيا كيف يطمئنّ إليها ، وعجبتُ لمن أيقن ببقاء الآخرة ونعيمها كيف يستريح ، وعجبتُ لمن هو عالم باللسان وجاهل بالقلب وعجبتُ لمن هو مُطَّهِرٌ بالماء وغير طاهر بالقلب ، وعجبتُ لمن اشتغل بعيوب الناس وهو غافل عن عيوب نفسه ، وعجبتُ لمن يعلم أن الله مطّلع عليه كيف يعصيه ، وعجبتُ لمن يعلم أنّه يموت وحده ، ويدخل القبر وحده ، ويُحاسَب وحده ، كيف يستأنس بالناس ، ويقول الله تعالى : لا إله إلّا الله حقّاً حقّاً ، محمّد عبدي ورسولي.
إنّ العُجْب من فروع الكِبْر ، وهو من المهلكات والموبقات إذ يحدث انتفاخاً معنويّاً في النفس ، ويكون على خلاف الواقع ، ونعم ما قال المتنبّي :
وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظره |
|
إذَا استَوَت عندَه الأنوارُ والظُّلَمُ (٢) |
العُجْبُ يقود إلى نيسان الذنب ، وترك التوبة والاستغفار ، وإلى التراخي في العبادة ، والتعسّف في الرأي والفكر ، والتطرّف في المواقف ، وربّما يؤدي إلى الأمن من مكر الله ، والمعَجبُ يتعالى عن الاستفادة من رأي غيره ، فلا يستشير من هو أعلم منه ، ولا ينقاد إلى ناصحٍ أمين ، ولا فقيه ذي عقل رصين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الكافي ٢ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ / ح ٣ ـ باب الحسد.
٢ ـ حكاه الثعالبيّ في : يتيمة الدهر ١ : ٢٣٨.