وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : الحياء شعبة من الإيمان (١).
وقال بعضهم : كيف جُعل الحياءُ ـ وهو غريزةٌ ـ شعبةً من الإيمان ـ وهو اكتسابٌ ـ؟ والجواب في ذلك : أنّ المستحي ينقطع بالحياء عن المعاصي ، وإن لم تكن له تقيّة ، فصار كالإيمان الذي ينقطع عنها ويحول بين المؤمن وبينها.
قال ابن الأثير : وإنّما جُعل الحياء من الإيمان لأنّ الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به ، وانتهاء عمّا نهى الله عنه ، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان ، ومنه الحديث : إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت (٢).
والمراد منه إذا لم يَسْتَحِ صَنَع ما شاء ، لأنّه لا يكون له حياء يحجزه عن المعاصي والفواحش. وقال ابن الأثير : وله تأويلان : أحدهما ظاهر وهو المشهور ، إذا لم تستحِ من العيب ولم تخشَ من العار بما تفعله فافعل ما تحدّثك به نفسك من أغراضها حسناً كان أو قبيحاً ، ولفظه أمرٌ ومعناه توبيخ وتهديد ، وفيه إشعار بأنّ الذي يردع الإنسانَ عن مواقعة السوء هو الحياء ، فإذا انخلع منه كان كالمأمور بارتكاب كلّ ضلالة وتعاطي كلّ سيئة ، والثاني أن يُحمل الأمر على بابه ، يقول : إذا كنت في فعلك آمناً أن تستحي منه لجريِك فيه على سنن الصواب ، وليس من الأفعال التي يُستحى منها فاصنع منها ما شئت.
وعن ابن سيده : قوله صلى الله عليه وآله : إنّ ممّا أدرك الناسُ من كلام النبوّة : إذا لم تَستحِ فاصنع ما شئت ، أي من لم يستحِ صنع ما شاء على جهة الذمّ لترك الحياء ، وليس يأمره بذلك ، ولكنّه أمر بمعنى الخبر ، ومعنى الحديث أنّه يأمر بالحياء ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ غوالي اللآلئ ١ : ٥٩ / ح ٩٠.
٢ ـ مشكاة الأنوار : ٤١٣ ـ الفصل الخامس من الباب الخامس.