وإحضار النيّة ، ومعرفة الوسيلة ، والإتصاف في المسألة ، فهل دعوتَ وأنت عارف بهذه الأربعة؟ قال : لا ، قال : فاعرِفْهنّ (١).
وفي الحقيقة أنّ أكثر الداعين لا يصدرون عن فطرة ويقين ، بل عن قلوب لاهية ، وإذا سألوا فبلسان المقال لا بلسان الحال والافتقار ، ولربّما سأل داعٍ وهو متعلّق بالأسباب الظاهرية التي يرى أنّها علل تامّة مستقلة في أروقة الكون ومجالات الحياة ، فهو إمّا قد جعل الأسباب شريكاً لله ، أو جعلها إلهاً مستقلّاً لا يُشارَك في الربوبيّة.
ونحن لا نريد أن نقول : إنَّ السنن والأسباب لا أثر لها ، بل نقول : إنَّ السبب الحقيقي هو الله ، وهو سبحانه مسبّب الأسباب بقدرته وإرادته ، وإنّ هذه الأسباب ليس لها استقلاليّة عن الله سبحانه وتعالى أبداً.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله : أُدعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة (٢).
وفي الحديث القدسيّ : أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي ، إن خيراً فخيراً ، وإن شرّاً فشرّاً (٣).
وورد عن علي عليه السلام : لا يقبل الله دعاء قلب لاهٍ (٤).
ولربّما كان الداعي يدعو على نفسه وهو غافل ، فعندما يدعو على ظالمه وهو يرجو من ربّه الانتقام من ذلك الظالم ، فهذا يعني رضاه بانتقام الله من كلّ ظالم ، فلو كان ذلك الداعي ظالماً لغيره ، فإنّه سيكون داعياً على نفسه ، ويكون تأخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ مجموعة ورّام : ٨٨٥.
٢ ـ الدعوات للراونديّ : ٣٠ / ح ٦١ ، عدّة الداعي : ١٣٢.
٣ ـ الكافي ٢ : ٧٢ / ح ٣.
٤ ـ بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٤ / ح ١٩ ـ عن : عدّة الداعي.