وراء الشهوة والأمانيّ السرابيّة الضالّة ، ومشتغلون بما ينسي الآخرة ، ولو علموا ما يُراد بهم ومنهم لانتهوا وعادوا إلى سواء السبيل ، ولهيّؤوا أنفسهم للقاء الله بالتوبة والإيمان والورع واجتناب المعاصي.
وهذا القسم يُسمّى «التقصير».
إنّ الغافلين ، سواء من المُعْرضين أو المقصّرين ، سيقفون بين يدي الله للحساب ، فتصيبهم الدهشة ، ويأخذهم الفزع الأكبر لعظم المسؤولية ودقّة الحساب ، قال تعالى : (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (١).
لقد ساقتهم الملائكة للحساب ، وشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وأيديهم بما كانوا يعملون ، وتجسّدت أعمالهم أمام أعينهم ، وقيل لهم : هذه أعمالكم رُدّت عليكم. وربّما يكون الإغفال على سبيل المجازاة حين يُنسب إلى الله سبحانه ، كما في قوله تعالى : (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (٢).
قال صاحب «الميزان» قدس سره : المراد بإغفال قلبه تسليطُ الغفلة عليه وإنساؤه ذِكرَ الله سبحانه على سبيل المجازاة ، حيث إنّهم عاندوا الحقّ فأضلّهم الله بإغفالهم عن ذكره ، فإنَّ كلامه تعالى في قوم هذهِ حالهم نظير ما سيأتي في ذيل الآيات من قوله : (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) (٣).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الكهف : ٤٩.
٢ ـ الكهف : ٢٨.
٣ ـ الكهف : ٥٧.