فلا مَساغَ لقول من قال : إنّ الآية من أدلّة جبره تعالى على الكفر والمعصية ، وذلك لأنّ الإلجاء مجازاةً لا ينافي الاختيار ، والذي يُنافيه هو الإلجاء ابتداءً ، ومورد الآية من القبيل الأوّل (١).
فالمراد من الغفلة : الفتورُ والتكاسل ، وعدم الالتفات إلى غاية الخلق وما هو المطلوب من الإنسان من التزامات تقود صاحبها إلى سعادة الدارين ، وتضمن له الكرامة ونيل مراتب الكمال.
ويقابل الغفلة : النيّة والإرادة والقصد ، وهي تشير إلى الوعي واليَقظة ، وهي من البواعث والخوافز لسلوك الطريق الموافق للطبع الإنساني الذي يسعى نحو الكمال والفضائل ، وتطهير ساحة القلوب من الكدورات والظلمات ونتانة الجاهليّات.
ولقد وصف الله سبحانه وتعالى بعض عباده ممّن شغلتهم الدنيا عن الله والآخرة أنّهم من الغافلين ، وشبّههم بالأنعام الضالّة التي لا تفهم ما يراد منها : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (٢).
ومن هؤلاء : الكُسالى والبطّالون ، وأهل الأمانيّ الضالّة التي تقودهم حالاتهم هذه إلى شقاء الدنيا والآخرة ، وإنّ العقل السليم يحكم بوجوب استجلاب الخير ونيل الكمالات وما يوافق الطبع الإنسانيّ. إذن تكون الغفلة مساراً وطريقاً مضاداً للفطرة والعقل ، وبذلك تكون أصلاً تتفرّع عنه مجموعة من الرذائل والنقوص التي تُعتِّم على القلب وتؤدّي إلى انتكاسه ، وربّما تكون هذه الطائفة ممّن يؤمن بالله ويؤمن بالمعاد ، لكنّ الانكباب على الدنيا والانشغال بهمومها ومطالبها ولذّاتها يصرفانها عن رحب ولاية الله إلى ضيق ولاية الشيطان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ تفسير الميزان ١٣ : ٣٠٣.
٢ ـ الفرقان : ٤٤.