إنّ كلّ تصرّف يقوم به الإنسان عن حركة واعية تتحكّم فيها الإرادة ويتحكّم فيها العلم لابدّ أن يكون وراءه غرض عقلانيّ ، وهذا ما يُطلق عليه «النيّة والقصد».
فعندما يتوفّر عامل الشوق المتمثّل بالرغبة العمليّة الصادقة لتحقيق شيء ، فإنّ الإنساني ينوي القيام بعملية التنفيذ ، وهنا تتحرّك الأعضاء والجوارح لإيجاد ذلك العمل. أنظر هذا التسلسل رجاءً :
غرضٌ معلوم ، ثمّ الشوق إليه ، ثمّ النيّة والقصد ، ثمّ التحرّك للتنفيذ.
وكلّما كان الشوق أعظم كان النشاط والاندفاع أشدّ.
ونعم ما قيل :
وإذا حلَّتِ الهدايةُ قلباً |
|
نَشِطتْ للعبادةِ الأعضاءُ (١) |
إنّ الأعمال الإراديّة الواعية لا تصدر إلّا عن نيّة ، وعلى هذه النيّة يترتّب الجزاء الإلهيّ ، فالذي يقيم الشعائر العباديّة ويعمل الصالحات ، ويذكر الله تعالى مداوماً ، ويقدّم التضحية بالمال والنفس قاصداً وجه الله ، لابدّ أن تكون نيّته خيراً ، ويكون جزاؤه خيراً لأنّ الجزاء من سنخ العمل ، أمّا الذي يعرض عن الحقّ ، ويحارب أهل الدين ، ويهتك حرمات الله ومقدّسات المؤمنين فنيّته شرّ ، وجزاؤه من سِنْخ عمله.
وقد يكون العمل واحداً لكنّ ال جزاء يختلف باختلاف النيّة ، فلو صلّى المرء عبادةً لله كان جزاؤه الثواب ، وأمّا من صلّى رياءً فجزاؤه العقاب ، في حين أنّ الصلاة بشكلها الخارجيّ واحدة ، ولو بنى مسجداً لإقامة شعائر الله فإنّه ينال الثواب ، أمّا لو بناه للضِّرار والرياء فإنّه يأثم ، في حين أنّ الشكل الظاهريّ للمسجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ حكاه في : الفوائد الرجاليّة لبحر العلوم ١ : ٣٩.