ثمّ يعود إلى الثناء على محامد الله كمقدّمة من آداب الدعاء لدى ذوي الحاجات إذا أرادوا أن يطرقوا أبواب السلاطين والعظماء ، فيصفه بالحلم والكرم ، والحياة والقيمومة ، ومغفرة الذنب ، وقبول توبة عباده ، وبالمنّ العظيم ، والإحسان القديم ، وباقي صفات الكمال والجلال التي هو أهلها وفوقها.
وهنا يتوجّه إلى ربّه بقلبٍ ملؤه الأمل والوجل ، فيبدو كالحيران المضطرب ، بل كالغريق الذي يتشبّث بما ينقذه ، والطريد الذي يتعلّق بأستار رحمة الله القائمة على الستر والعفو والفَرَج ، وإغاثة الملهوف ، وإيواء الهارب. ت
إنّه يستغيث ربّه طالباً النجاة ، مطالباً بالمعهود من عطاياه الفاضلة ، ومواهبه الهنيئة ، وصنائعه السنيّة ، وفضله العظيم ، ومنّه الجسيم ، إنّه يستشفع بهذه الصفات والكمالات التي هي عين الذات ، ويشْفَعُها بنبيّ الرحمة محمّد صلوات الله عليه وعلى آله الكرام ، طالباً الاستنقاذ والخلاص ، والنجاة من عقاب الله الأليم الذي لا تقوم له السماوات والأرض ، فكيف بالعبد الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين!
أمّا استعمال «أين» التي هي أداة استفهام عن المكان حين يقول : أين سترك الجميل ، أين عفوك الجليل ... إلى آخره ، فإنّ صاحب الدعاء عليه السلام ينزّل خطابه منزلة الخطاب البشريّ عندما يستطبئ شيئاً ، فعندما يسأل بـ «أين» فهذا السؤال يستبطن الدعوة والطلب والشوق إلى نزول الرحمات والفيوضات.
لقد ابتدأت عدّة فقرات بحمد الله سبحانه ، وهذا من أدب العبوديّة وأدب الدعاء ، فأنَّ الله هو خالق الخلق عن علم واختيار ، وهو الذي صبّ في كلّ مفردات هذا الكون الرحيب من الجمال والروعة والكمال ما يناسبه ، وهو سبحانه المحمود على أفعاله وخصاله ، إذ هو مصدر كلّ خير وجمال وكمال ، فكلّ ما هو محمود فإنّ