أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (١).
لقد نشأت الوثنيّة بتعظيم الملوك والقادة بإقامة التماثيل والنُّصُبِ لهم ، ثمّ تطوّر ذلك الحبّ والتعظيم إلى عبادة ، ونتيجة هذه الممارسات الخاطئة والمقدّمات الواهمة ظنّوا أنّ آلهتهم لها الاستقلاليّة في تدبير العالم ، وأنَّ بيدها إنزال الخير وإبعاد الشرّ ، فكانوا يعبدونها لتقرّبهم إلى الله زلفى ، ولتكون شافعةً لهم عند الله بزعمهم.
ولربّما يسأل سائل فيقول : ما الفرق بين هؤلاء وبينكم عندما تستشفعون بالنبيّ وآله والصلحاء بزيارة قبورهم وتقبيل ضرائحهم والتبرّك بتربتهم ، أليس هذا من الشرك والوثنيّة؟
نقول : أنَّ مسألة الشفاعة قضيّة ثابتة في عالم التكوين القائم على سنن الأسباب والمسبّبات ، وفي عالم التشريع بالكتاب والسُّنّة ، وهذه الشفاعة بالتمكين والتخويل والتفويض لأناس لهم قرب ومكانة عند الله سبحانه ، فنحن نسأل الله بحقّهم ومكانتهم أن يقضي بعض حوائجنا مثلاً ولكننا لا نعطي الاستقلاليّة في التاثير لهؤلاء الأولياء ولا نعبدهم من دون الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى : (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ) (٢) ، وقال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (٣).
وبكلام أدقّ : إنّ الوثنيّين يعبدون غير الله ليقرّبوهم إلى الله رجاء الشفاعة ونيل المطالب ، أمّا نحن فنعبد الله ونتقرّب إليه بأحبّ خلقه إليه كوسطاء ، أو ببعض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ ابراهيم : ٢٢.
٢ ـ الأنبياء : ٢٨.
٣ ـ المائدة : ٣٥.