عقلائيّ ، وهو كذلك يدعو إلى الطاعة والعمل الصالح. ومن هنا نقول : إنّ التوحيد والنبوّة ما لم يقترنا بالمعاد لم يكن لهما التأثير المطلوب لضبط الإنسان سلوكياً ، فقد ورد عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) (١) ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لولا عفو الله وتجاوزه ما هَنَأ لأحدٍ عيش ، ولولا وعيده وعقابه لاتّكلَ كلّ أحد (٢).
يقول السيّد الطباطبائيّ قدس سره : ومن هنا يظهر أوّلاً أنّ قوله تعالى : (إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) (٣) يتضمّن حجّةً على المَعاد ، لِما عرفتَ أنّ الربوبيّة لا تتمّ إلّا مع عبودية ، ولا تتمّ العبوديّة إلّا مع مسؤوليّة ، ولا تتمّ إلّا برجوع وحساب على الأعمال ، ولا يتمّ حساب إلّا بجزاء (٤).
لاحظ هذا التسلسل رجاءً : الربوبيّة ، ثمّ العبوديّة ، ثمّ المسؤوليّة ، ثمّ الحساب ، ثمّ الجزاء.
إذن فالمعاد ضرورة ، وأمّا طوائف الناس في القيامة فيُقسّمون عدّة أقسام :
الأوّل : الكافر ، وهو الذي يُؤتى كتابَه من وراء ظهره ويُخلَّد في النار.
الثاني : المؤمن ، يدخل الجنّة بعد حساب يسير ، واليُسْرُ هو ما يكون من غير استقصاء أو مُداقّة ، وهو الذي وصفه الله بأنّه يؤتى كتابه بيمينه ، وعبّر عن المؤمنين بالمحسنين.
الثالث : عصاة المؤمنين ، وهؤلاء يدخلون النار للتطهير ثمَّ يُخرَجون منها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الرعد : ٦.
٢ ـ جوامع الجامع ٢ : ٣٥١.
٣ ـ الانشقاق : ٦.
٤ ـ تفسير الميزان ٢٠ : ٢٤٢.