إنّ النور ظاهر بنفسه ، مُظهر لغيره ، والله ظاهر بنفسه ، مظهر لكلّ ما في السماوات والأرض بإشراقه عليها ، ولكن هناك فرق بين النور الإلهيّ الذي تظهر به الأشياء من حالة العدم إلى حالة الوجود ، لتسير وفق الخطّ المرسوم لها ، وبين النور الذي يشعّ على الأجسام والموجودات ليزيدها وضوحاً وجلاءً.
فالنور في الحالة الأولى هو عين الإيجاد والتدبير ، وهذا من الرحمة العامّة. ومن هنا نقول : إنّ الله سبحانه هو المصداق الأكمل للنور ، أمّا في الحالة الثانية فالنور كاشف للمحسوسات كالضوء الذي ينير الطريق والأشياء المعتمة.
وهناك نور مأخوذ على نحو المجاز ، وهو قسمان :
١. ما يمثّل الهداية العامّة ، بعمنى إيصال كلّ شيء إلى كماله.
٢. ما يمثّل الهداية الخاصّة ، بمعنى رسم الطريق الموصل للإنسان إلى سعادته وكماله ، ففي الخبر عن الإمام الرضا عليه السلام عندما سئل عن قوله تعالى : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، قال عليه السلام : هادٍ لأهل السماوات ، وهادٍ لأهل الأرض (٢).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قوله في هذه الآية : بدأ (اللَّـهُ) بنور نفسه ، (مَثَلُ نُورِهِ) ، مثَّلَ هداه في قلب المؤمن (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) ، والمصباح : جوف المؤمن ، والقنديل : قلبه ، والمصباح : النور الذي جعله الله في قلبه.
وقال عليه السلام : (نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ) فريضة على فريضة ، وسنّة على سنّة ، (يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء ، فهذا مَثَلٌ ضربه الله للمؤمن. ثمّ قال عليه السلام : فالمؤمن يتقلّب في خمسة من النور : مدخله نور ، ومخرجه نور ، وعمله نور ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ النور : ٣٥.
٢ ـ الكافي ١ : ١١٥ / ح ٤.