الأصنام والأوثان ، معتقدة أنّ لها القابليّة على تدبير أمر الموجودات ، فقالوا بأنّهم يعبدونها كشفعاء إلى الله لتقرّبهم إليه زلفى ، فوقعوا في الضلالة والعماية عن رؤية الحقّ ، ومشاهدة فطرة الكون والوجود الناطقة بتوحيده وتسبيحه.
وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ |
|
تَدُلُّ على أنّه واحِدُ (١) |
إنّ شاهد الحال في الإنسان مهما بلغ من العلم والقوّة والشرف والعزّة والمكانة ، فإنّه يشعر فطرياً وغريزياً بأنّه محتاج إلى الله في تدبير أموره ورفع حوائجه وسدّ نواقصه ، فالحاجة لسانُ حالٍ ناطق بمربوبيّة الإنسان وبربوبيّة الخالق سبحانه.
وكما أنّ الإنسان محتاج إلى ربّه في مسائل التكوين ، فهو محتاج إليه سبحانه في قضايا المعرفة والهداية الخاصّة ، فقد حصر الله سبحانه مهمّة التشريع والهداية بنفسه فقط ، إذ علم سبحانه أنّ الإنسان قاصر عن إدراك مصالحه الحقيقيّة والواقعيّة ، ولمّا كان الإنسان مركّباً من عقل وجسم وغريزة ، فإنّ الصراع بين هذه العوامل طالما يقوده إلى عالم الغفلة عن الله ، والتشريعات الوضعيّة ستحمل نفس صفاته من النقص والأنانيّة والتعصّب وعدم الموضوعيّة.
وقد رأينا ما فعل الطغاة والمتكبّرون بالأمم والشعوب بتشريعاتهم وطرق تنفيذها ، وبسوء سيرتهم في الحكم ، حتّى قال أحد عتاتهم : إنّ القوانين مِن صنع أنفسنا ، نشرّعها متى نشاء ، ونلغيها متى نشاء.
لقد ربطت التشريعات السماويّة بين الإنسان وخالقه ، وبين العلم والعمل ، وبين الفعل والجزاء ، وبين متطلّبات الروح ومتطلّبات الجسد ، وبين الدنيا والمعاد ، وهذه التكاليف العباديّة تقوم بدورها الإيجابيّ في تطهير النفوس وتثبيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ حكاه الثعلبيّ في : تفسيره ١٠ : ١٦٨ ، والراغب الأصفهانيّ في : مفرداته : ٣٦٨.