ولعل الوجه في ذلك هو طبيعة الخطورة التي يمثلها السحر في ربط الناس بالخرافة والتضليل والتمويه والابتعاد عن طبيعة الأشياء تحت ستار الأسرار الغامضة المقدّسة ، أو الاعتقاد ببعض المؤثرات في خصائص الأشياء بالمستوى الذي يتنافى مع وحدانية الله وعظمته.
وإننا لا ننطلق ، في تحفّظنا في موضوع اعتبار السحر شيئا حقيقيا ، من فكرة استبعاد علاقة الأشياء غير الملموسة أو غير المادية بالتأثير بالواقع ، لأننا لا نؤمن إلا بالجانب الحسي في قضايا الحياة الواقعية ، بل لأننا لا نملك أدلة وجدانية أو شرعية ـ في ما نعرفه من أدلة ـ على ذلك ، فتبقى القضية في طور الاحتمال الذي يحتاج في جميع تفاصيله إلى دليل.
وقد اختلف في ماهية السحر على أقوال. فقيل : إنه ضرب من التخييل وصنعة من لطيف الصنائع ، وقد أمر الله بالتعوذ منه وجعل التحرز بكتابته وقاية منه ، وأنزل فيه سورة الفلق ، وهو قول الشيخ المفيد ...
وقيل إنه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها يخيل إلى المسحور أن لها حقيقة ؛ وقيل إنه يمكن للساحر أن يقلب الإنسان حمارا ويقلبه من صورة إلى صورة ، وينشئ الحيوان على وجه الاختراع .. وهذا لا يجوز ، ومن صدّق به فهو لا يعرف النبوّة ولا يأمن أن تكون معجزات الأنبياء من هذا النوع ، ولو أن الساحر والمعزّم قدرا على نفع أو ضرر وعلما الغيب لقدرا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز من معادنها ، والغلبة على البلدان بقتل الملوك من غير أن ينالهم مكروه أو ضرر ، فلما رأيناهم أسوأ حالا وأكثرهم مكيدة واحتيالا ، علمنا أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك. فأمّا ما روي من الأخبار أن النبي صلىاللهعليهوآله سحر ، فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله أو أنه لم يفعل ما فعله ، فأخبار مفتعلة لا يلتفت إليها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى ـ حكاية عن الكفار ـ : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [الإسراء : ٤٧]. حاشا النبي صلىاللهعليهوآله