من كل صفة نقص تنفر عن قبول قوله ، فإنه خيرة الله من خليقته وصفوته من بريته.
وإننا نعقّب على ما استفاده الشيخ المفيد من سورة الفلق ، في قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق : ٤] ، أن من الممكن أن تكون الاستعاذة أسلوبا من أساليب التخلص من الحالات النفسية التي يعيشها الإنسان من خوف أو قلق إزاء هذه الحالات ، وذلك بسبب العقلية الشعبية التي درجت على اعتقاد وجود آثار حقيقية لمثل هذه الأمور ، وقد يكون قريبا من هذا الجوّ الأحاديث الواردة في الاستعاذة بالله من أسباب الطيرة والتشاؤم إذا حدث في النفس شيء بسببها ، مما يوحي بأن المعالجة ليست معالجة لشيء حقيقي يخاف من خطره ، بل هي معالجة لحالة نفسية تحدث من خلال العقائد الموروثة ، وقد لا يعني هذا أن نلغي من الحساب كل التأثيرات الروحية بسبب بعض الكلمات المقدسة من أسماء الله الحسنى وآياته ، فقد ورد في كثير من الأحاديث تأثيرها في بعض القضايا التي تبقى من اهتمامات الأديان المرتكزة على وحي الله الذي يعلم حقائق الأشياء في خصائصها الروحية والمادية.
ولكن هذه الأمور ليست مساحة مفتوحة للجميع ، بل هي من صلاحيات أهل المعرفة الدينية الواعية الذين يميزون بين الخرافة والحقيقة ويعرفون صحيح الحديث من فاسده ، فلا يأخذون من هذه القضايا إلا ما ثبت لهم صحته مما لا يخالف المنطق وطبيعة الأشياء ، ولا يمكن الاستسلام فيها إلى أشباه الأميين الذين لا يملكون من المعرفة إلا قليلا ، فيعتمدون على الصدفة في ربح ثقة الناس ، مما لم يكن لهم فيه أي دخل من معرفة أو تأثير ، فيتبعهم الناس لذلك ويعتذرون عنهم في غير ذلك مما يخطئون فيه ، لأن شأن الناس أن يحبوا التصديق السهل في الأمور ، فذلك يجعلهم في حالة استسلام للحل السهل الذي لا يكلّفهم عناء في مواجهة الأشياء.
* * *