عقدة الكافرين من المسلمين
(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) في هذه الآية يريد الله أن ينفذ بالمسلمين إلى أعماق الكفّار من أهل الكتاب والمشركين ، ليعرّفهم أن القضية قد تحوّلت في وعي هؤلاء إلى عقدة ذاتية مستعصية يختلط فيها البغي والحسد ، فلم تعد القضية لديهم قضية الإيمان والكفر كشيء يتصل بالحقيقة في العقيدة والحياة ، بل عادت مجرّد حالة نفسية معقدة ضد المسلمين كجماعة تواجه جماعة من مواقع السلطة والغلبة ، فلا يريدون لهم أن ينزّل عليهم خير من الله ، ولا سيما النبوّة التي ورد في بعض الروايات تفسير الخير بها ، ولكننا نعتبر ذلك من التفسير التطبيقي الذي يراد به الإيحاء بأفضل المصاديق أو أبرزها في الدلالة على المعنى ، فإن من البديهي هنا اعتبار النبوّة من أبرز مجالات الخير النازل من الله عليهم إن لم يكن أبرزها ، لأنها تمثل المركز الأسمى الذي يعتبر فيه الإنسان ـ الرسول صلة الوصل الروحي والرسالي بين الله وبين عباده ، كما تتحول الجماعة المؤمنة ـ من خلاله ـ إلى قائدة للمجتمعات الأخرى وشاهدة على الناس. أمّا في مجال الحياة الواسع ، فإنها تجمع للإنسان كل خطوات الخير ووسائله وموارده ومصادره مما يحقّق له السعادة في الدنيا والآخرة ، وهذا ما لا يريده الكفّار للمسلمين بفعل حقدهم وعداوتهم وحسدهم ، ولكنّ الله لا يتّبع أهواءهم في ما يريد وفي ما لا يريد ، بل هو الحكيم الرحيم الذي يجري الأمور على وفق الحق ويختص برحمته من يشاء ، فلا ينسى عباده المؤمنين من فضله ، والله ذو الفضل العظيم.
(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) والمراد بهم هنا اليهود ، على