وأمهلهم اتبعوه ، فآيسه الله تعالى من موافقتهم (١).
إننا نعتقد أنّ ما يذكره هؤلاء المفسرون هو نوع من أنواع الاجتهاد في استيحاء القصة التي يفرضون وجودها في كل آية من الآيات التي يخاطب الله فيها نبيّه في كل قضية من القضايا المتعلقة بموقف النبي من العلاقات المتصلة بالآخرين ، ولكننا لا نرى ضرورة في ذلك ، بل الظاهر هو أن الله كان يريد أن يقدم للمسلمين ـ من خلال النبي ـ الوعي العميق للواقع الذي يحيط بهم ، سواء في ذلك الواقع المتمثل بالأشخاص الذين يخالفونهم في الدين ، أو المتمثل بالأحداث والأوضاع المحيطة بهم ، ليكونوا على معرفة عميقة شاملة لما حولهم ، مما يجنّبهم خطر الوقوع في تجربة المعرفة التي قد تعرضهم للهلاك ، وتدفعهم إلى السير في وضوح الرؤية بعيدا عن الانفعالات السريعة والأوهام الطائرة.
وقد يكون الأساس في اختيار النبي للخطاب ، ثم اتباع أقسى الأساليب شدّة في خطاب الله له ، هو الإيحاء بأن هذه القضية هي من القضايا التي تبلغ مرحلة كبيرة من الأهمية والخطورة ، بالمستوى الذي لا يمكن فيها مراعاة جانب أي شخص ، وإن كان في مستوى عظمة النبي محمد صلىاللهعليهوآله ، لأن عظمة الأشخاص وقداستهم مستمدة من طاعتهم لله في ما يريد وفي ما لا يريد ، فإذا انحرفوا عن الخط ـ ولن ينحرفوا عنه ـ سقطت عظمتهم وتحوّلوا إلى أشخاص عاديين خاطئين ، لا يملكون لأنفسهم من دون الله وليا ولا نصيرا.
ويعتبر هذا الأسلوب من الأساليب البارزة في القرآن في القضية التي تتخذ جانب الخطورة على أساس العقيدة وصدقها وسلامتها من الانحراف ، وذلك كما في قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ، وقوله سبحانه وتعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٣٧٣.