الإرادي مما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : ٢٥٦] وفي قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩].
والوجه في ذلك ، أن العقيدة كانت ثابتة بأدلتها وبراهينها التي قدمها لهم موسى عليهالسلام منذ بداية صراعه مع فرعون إلى نهاية تلك المرحلة وبداية مرحلة الدخول في تفاصيل الشريعة والميثاق الذي يمثل الجانب العملي للإيمان ، وكانت الحاجة ماسّة إلى صدمة قوية تدفعهم بعيدا عن حالة التمرّد التي كانت تمثل التحدّي العدواني ، والسلوك الطفولي في مواجهة موسى عليهالسلام ، ليشعروا بأن هناك خطرا يتهددهم بالمستوى الذي لا يملكون فيه مواجهته ، وهذا هو إيحاء هذه الفقرة من هذه الآية ومن الآية الواردة في سورة الأعراف : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) [الأعراف : ١٧١]. (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) من خلال مسئوليتكم الرسالية التي حمّلكم الله أمانتها التي لا بد من أن تؤدّوها للناس بقوة في دعوتكم إياهم للإيمان بها والسير عليها ، وللجيل الذي يأتي من بعدكم في تقوية الموقع الفكري والعملي الذي يتحول إلى قاعدة فكرية وعملية يرتكز عليها المستقبل الإنساني في حركته في الحياة. وهذا يفرض عليكم تحريك قوتكم الذاتية ، وتنمية عناصرها ، وتقويتها ، وتطويرها في هذا الاتجاه ، ولا سيما أن الرسالة لا بد من أن تدخل ساحة الصراع مع التيارات الأخرى المضادة ؛ الأمر الذي قد يحتاج إلى المزيد من الطاقات المتحركة في ساحة المواجهة. (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) من المفاهيم العقيدية والأخلاقية والشرائع العملية ، واحفظوه ولا تنسوه ، وتدبروا معانيه ، ليكون ذلك كله حضورا لكم في وعيكم وفي الواقع (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، لأنه يرسم لكم الخط المستقيم الذي يفتح لكم أبواب التقوى في الالتزام التوحيدي الذي يتحرك بكم في خط الاستقامة في جميع المجالات. (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، ونبذتم العهد وراء ظهوركم ، وأعرضتم عن كل التزاماته ومعطياته