(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بالتوفيق للتوبة من خلال تهيئة الظروف الملائمة للوعي الروحي الذي جعلكم تواجهون الموضوع بالمزيد من الإحساس بالمسؤولية من خلال ما ينتظركم من النتائج ، فرجعتم إليه وسلكتم خط الاستقامة ، فتاب عليكم وعفا عنكم ، ولو لا ذلك (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، وذلك هو الخسران المبين.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) وتلاعبوا بأمر الله ونهيه ، فابتعدوا به عن غايته وحوّلوه إلى مسألة شكلية لا تحمل في داخلها أي مضمون ، وذلك أن الله سبحانه نهاهم عن الصيد يوم السبت ، فكانت الأسماك والحيتان تأتي يوم السبت لشعورها بالأمان ، فما كان منهم إلّا أن استعملوا طريقة يحبسون فيها الأسماك في ذلك اليوم ، فلا تملك الخروج من الطوق الذي نصبوه لها ، فيأتي يوم الأحد الذي لا نهي فيه ، فيحصلون فيه على ما أرادوا الحصول عليه في يوم السبت ، فلم يعد للنهي أيّة قيمة عملية من ناحية النتائج الواقعية. وهذا ما جعل القضية في سلوكهم هذا تتحول إلى اعتداء على الشريعة ، فكان عقاب الله لهم شديدا لا عهد لهم به (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي مسخناهم على شكل القردة ، وطردناهم من رحمة الله ، وأبعدناهم عن كل مواقع الإنسانية والكرامة.
وقد اختلف الرأي في هذا المسخ هل هو حقيقي ، أم هو معنوي تمثيلي؟ فالمعروف هو الأول ، لأن ظاهر القرآن هو ذلك من دون ما يمنع من إرادته من اللفظ ومن دون قرينة على إرادة خلاف الظاهر ، وأما الرأي الثاني ، فهو ما ذهب إليه مجاهد حيث قال : «لم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله كما قال : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [الجمعة : ٥] ، وحكي عنه أيضا : أنه مسخت قلوبهم فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا ولا تتقي زجرا». ويقول صاحب مجمع البيان تعليقا على ذلك : «وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي