المسترشدين المتبصرين من أرجاء الدنيا ، بل علماء المعاهد الفلسفية ، وأساتذة الجامعات الكبرى العلمية.
جهاده وآثاره الخالدة :
ان المتتبع لسيرة عظماء الامم وزعماء الشعوب وعباقرة الأقوام يجد أن سر خلودهم كامن في عمق إيمانهم وقوة إرادتهم الحديدية ، وفي صدق إخلاصهم وشدة الصبر والمصابرة على مرارة الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق وإذلال سلطان الباطل أو في سبيل الكفاح والنضال لاحياء المثل الاخلاقية الصحيحة وتجديد العقائد السليمة ، والتراث التاريخي العتيد الذي هو مصدر مفاخر الامم ، ومحفزها إلى الارتقاء والتقدم ، وهكذا يعمل قادة الفكر وأئمة الاصلاح في كل وسط ومجتمع سواء منهم صاحب السيف أو القلم أو رب السيف والقلم معا ، أو الفيلسوف الحكيم والعالم الرباني العامل لنصرة العقيدة الحقة وإنقاذ المجتمع من الظلمات إلى النور ، فهؤلاء القادة البررة قد خلقوا لأداء رسالة الاصلاح كلما تردت المجتمعات البشرية وانطمست معالم الخير فيها ، وشاعت شرور الالحاد في صفوف أفرادها.
والمتدبر لسيرة الامام البلاغي «رضوان الله عليه» منذ رفعت عنه تمائمه حتى لحوقه بالرفيق الأعلى ، يجدها قد حفلت بألوان عجيبة باهرة بالاعمال المجيدة والمساعي الحميدة لرفع لواء الاصلاح ومنار العلم ، وتجديد صرح المعرفة وكشف الحجب التي أسدلتها يد الجهالة المظلمة في عهود الانحطاط على جواهر حقائق الاسلام وقيامه بالدفاع المشكور عن محاسن ويسر الحنيفية السمحة فإنه انعكف منذ عرف نفسه على الكتاب والدرس والاختلاف الى دور العلم ومجالس العلماء ، وندوات الصلحاء حتى إذا استد ساعده (١) ، ونضجت مداركه وتوسعت معارفه ، وشاع فضله وفواضله في أوساط الفضيلة والفضلاء وأندية العلم والعلماء ، اتجه بكليته مستضيئا بنور عقله الوهاج ، وفكره النير المتوقد ، وبقوة إيمانه وصدق إخلاصه ، ومن ثم بغزارة معارفه وآدابه ، وجولات قلمه ـ البلاغي ـ البارع إلى تخليد الغرر والدرر في بطون شتى الرسائل والكتب ، وهو
__________________
(١) استد بالسين لا بالشين ، ويخطأ من يلفظها بالشين.