ظواهرها على خلاف الشريعة التي جعل تبليغها وسيطرتها لموسى ، فكان العبد الصالح يفعل الأفعال على مقتضى حقائقها وأسرارها الغيبة ، وكان موسى يعترض فيها على مقتضى وظيفته في القوانين الشرعية والسياسات المدنية.
ولم يظهر من القرآن ان موسى كان مذعنا بعصمة ذلك العبد الصالح في جميع أفعاله عن الخطأ والجهل ليكون الاعتراض من موسى عليه منافيا للإذعان بعصمته فيسوغ لموسى السكوت عما يخالف ظاهرة الشريعة إلى ان يخبره بسره الغيبي ، ولم يظهر من القرآن ان ذلك الرجل كان رسولا واجب العصمة. نعم يظهر من القرآن ان موسى كان معتقدا بصدقه في دعواه بأن ما صدر من أفعاله المشار إليها إنما هو لكشف غيبي ، ووصول إلى حقائقها لا لغفلة أو خطأ في شريعتها.
هذا ويجوز أن يكون اعتراض موسى على وجه الاستعلام عن الحقيقة والاستكشاف لغيبها ، ويكون قوله شيئا أمرا وشيئا نكرا ، إنما هو بحسب مزاعم الناس الذين لا يعلمون بحقيقة الرجل واطلاعه على بعض الغيب فلا ينبغي لغير المتسرع في غفلاته أن يتوهم في دلالة الآيات شيئا من القدح بقدس موسى.
ثم قال المتكلف في هذا المقام «يه ١ ج ص ٤٢» والظاهر أن محمدا أخذ هذه القصة من أقوال أهل عصره أو من خرافات اليهود فإنه لا وجود لها في التوراة التي هي أقدم كتاب في الدنيا.
قلت : من أين للمتكلف حصر الحقائق والوقائع التاريخية بما ذكر في التوراة ، ومن أين له ان التوراة أقدم كتاب في الدنيا؟ أفتقبل هذه الدعاوى الكبيرة بلا برهان مقبول؟
وكأن المتكلف لا ينزه القرآن من الخرافات حتى يذكر ما في التوراة من خوف الله من آدم أن يأكل من شجرة الحياة لأنه صار مثل الله في معرفة الخير والشر «انظر تك ٣ : ٢٢».
وأكل الملائكة من الزبد واللبن والعجل الذي قدمه لهم ابراهيم «تك ١٨ : ٨».