الآيات روايات متعددة مختلفة المضمون وكلها معارضة لما ذكره أولا عن المفسرين ومبرئة بجامع مضمونها لداود عن الزنا وما بعده ، فانظر إلى كتاب تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى «قدسسره» (١).
فأقول : ان من كان له من الفهم ما يهديه إلى الصواب ليجزم بأن مدلول الآيات مباين للقصة المذكورة في حادي عشر صموئيل الثاني ، فإن دعوى أحد الخصمين إن كانت على سبيل المثل لفعل داود كانت هي وجواب داود في القضاء بمقتضى القرآن يدلان على أن الصورة محض الطلب والسؤال للنعجة من دون أخذ لها أو تصرف بها قهرا أو اختلاسا وبمقتضى قانون المثل في مطابقته للمثل أن لا يكون داود تصرف بامرأة اوريا ، وحيث ان الروايات المفسرة للآيات زيادة على تعارضها فيما بينها لم يبلغ بعضها الحد الذي يصح الاعتماد عليه أو الجدل به حسب القانون الذي ذكرناه في المقدمة السابعة فصواب القول في الآيات هو أنها لا دلالة فيها على أن الخصمين من أي نوع كانا ، ولا على أن محاكمتهما كانت صورية لأجل التوبيخ لداود ، ولا على أنه تسرع في القضاء ، ولا على أن فتنته وامتحانه بأي نحو كانا ، فمقتضى ظاهر اللفظ ان المخاصمة غير صورية ، ومقتضى ان داود آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب كما في سورة ص ١٩ ، وانه عن أحكام الله لم يمل لأن الله هو علمه ولم ينس شريعة الله ولم يضل عن وصاياه «مز ١١٩ : ١١٢ و ١٠٩ و ١١٠» هو انه لم يتسرع في الحكم ولم يجر على غير قانونه الشرعي.
وأما فتنته فيجوز في معناها أن يكون داود قد امتحنه الله بدخول الخصوم من غير الموضع المعتاد للدخول ومخاصمتهم في أمر غير مهم كثيرا حتى فزع وفكر في ذلك ، وانه ما عسى أن يكون هذا الأمر فشغل بفزعه وفكره زمانا عن وظيفته وطريقته في محراب العبادة من النوافل والتسابيح المندوبة فخر راكعا مسارعة إلى وظيفته ، وأناب إلى الله عما يعده في تقواه واجتهاده في العبادة زلة من زلات المتقين فطلب من الله المغفرة والعود إلى مقامه الرفيع ومنزلة الصديقين فقال الله جل شأنه في اثر الآيات ٢٤ : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى
__________________
(١) طبع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف.