وأما رسل العهد الجديد فقد مر عليك في أواخر المقدمة الخامسة شيء مما وصمهم به كتابهم.
فتبصر أيها العاقل فيما ذكرنا عن العهدين في شأن أنبيائهما وانظر نظر الطالب للحق الراغب في السعادة الخائف من الهلكة ، فهل ترى ذلك كله يمكن أن يكون من الوحي الإلهي وتنزيل العليم الحكيم فإن الله عليك رقيب ، وللمتكلف كلام قد آن أوان التعرض له.
قال «يه ج ص ٤٢ و ٤٣» ان الله عزوجل المذكور في التوراة قدوس ظاهر يعاقب على أقل خطيئة بخلاف الإله المذكور عندهم «يعني المسلمين» فإنه يتساهل بالخطايا ويغفرها وحاشا لله الحق من ذلك فإن عدله وقداسته يستلزمان عقاب أصغر الخطايا ما لم يكفر عنها بالذبيحة.
أقول : أنا بفضل الله وبركة الإسلام دين الحق لنبرأ قلوبنا وألسنتنا وأقلامنا وننزهها عن فرض تعدد الآلهة ، ولكنا نقول : ان الله الذي لا إله إلا هو العليم الغني الحكيم اللطيف الخبير اختار من خلقه بلطفه وحكمته وعلمه بعباده رسلا مطهرين مقدسين بررة مبرءين عن الارجاس والقبائح ليكونوا أدلاء على معرفته ، وهداة الى الحق وقدوة للخلق باعثين لهم بما تقتضيه الحكمة الإلهية ، ومصلحة الوقت على التقوى والصلاح ليعرفوا الحق وينكروا الباطل ، ويهتدوا بهداهم الى الرشد والعدل والصلاح فينالوا سعادة الدارين.
فإن صدر من هؤلاء الرسل المطهرين من خلال الاولى والأفضل ما يرونه لحسن معرفتهم بجلال الله منافيا لما ينبغي للعبد العارف من الانقياد الى مولاه عدوا ذلك على أنفسهم زلة تحطهم عما يرغبون فيه من المقام الرفيع وفزعوا مما صدر منهم الى الله مولاهم بالتوبة وطلب المغفرة والرحمة وان لم يفعلوا حراما ويتركوا واجبا فيغفر لهم ذلك ولا يحطهم به عما يجتهدون له من رفيع المقام وحسن الزلفى فإنه أكرم مسئول وأوسع معط.
ونقول : ان الله تقدست أسماؤه أعلى شأنا وأوسع رحمة وعلما وأتقن حكمة ولطفا من أن يرسل للغاية المذكورة من يكذب ، أو يستعمل الخداع والتزوير ،