النبوة واعلان الوحي ضالا عما اوحى أليك من الشريعة المتكلفة لأحسن التهذيب والتكميل وأتقن النظام للدين والدنيا فهداك الله إليها بنور النبوة واعلام الوحي ودفع عنك الحيرة فيما كنت تطلبه من الهدى الى شريعة الحق لتحمل عليها الناس.
وما المرجح لما يدعيه المتكلف على هذا لو لا الهوى ، ولما ذا يخلط «يه ١ ج ص ٦١» بين الدين والشريعة فإن الخلاف الذي ذكره عن جامع الجوامع إنما هو باعتبار الاختلاف بين شريعة نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام من حيث الناسخ والمنسوخ في الاحكام العملية ، ولا اختلاف في دين هؤلاء ولا غيرهم من الأنبياء من حيث التوحيد والمعارف اللاهوتية أصلا ولم يقل ذو رشد باختلافهم في ذلك.
ثم قال المتكلف : من أقوى الأدلة على حيدانه «يعني رسول الله «ص» عن عبادة الحق وميله الى الاصنام هو مدحه لآلهة قريش وتقديم العبادة لها.
أقول : المنشأ في تشبث المتكلف في ذلك هي الرواية المقطوعة الفاحشة الاضطراب المشوشة في نقلها وألفاظها حيث أرسلها بعض المفسرين ، وهو أن رسول الله (ص) قرأ في سورة النجم في مجلس لقريش فلما بلغ قول الله تعالى ١٩ : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ٢٠ وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) قرأ بعده (تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى) فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به. ومضى رسول الله في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده. وسجد جميع من في المسجد من المشركين وقد سرهم ما سمعوا.
وكأن المتكلف يذعن بصدق هذه الحكاية أكثر من إذعانه بصدق ما في العهدين حتى عدها من أقوى الأدلة ، وكأن لم يشعر بأن أهل العلم والدراية والنظر من المسلمين قد جبهوا هذه الحكاية بالرد ، وسماها المرتضى خرافة وقال النسفي : ان القول بها غير مرضي ، وفي تفسير الخازن ان العلماء وهنوا أصل القصة وذلك انه لم يروها أحد من أهل الصحة ، ولا أسندها ثقة بسند صحيح او سليم متصل ، وإنما رواها المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب ، الملفقون من الصحف كل صحيح وسقيم ، والذي يدل على ضعف هذه القصة