المتعين بمقتضى مناسبة السوق أن يكون المراد ذنبه عند قريش والعرب من أجل ما جاء به في دعوته الباهظة لاهوائهم الملاشية لدينهم الفاسد ، وما قام به من الدفاع عن حوزة دين الحق بالحروب التي ارغمت آنافهم وحطتهم عن جبروتهم وطاغوتهم فإنه لا مناسبة بين الفتح المبين وغفران الذنوب التي هي معصية الله ليكون الفتح سببا له ، بل في السوق والمناسبة شهادة قاطعة بأن هذا الفتح سبب لغفران ذنبه صلوات الله عليه عند قريش والعرب لما شاهدوه من عفوه وإحسانه ولطفه ، وأيقنوا به في صدقه في دعوته وانه على بينة من ربه وان غرضه الشريف الحميد وراء دواعي الهوى وحب الرئاسة والسلطة والهوى في أمر الدين وإلا لشدد في الانتقام والتشفي.
وقد رأوه على شدة ما جنوه عليه بضلالهم وطغيانهم وقبح معاملتهم له قد أعرض عن أوتاره وثاراته التي عندهم ، وفداها لكلمة التوحيد وملاشاة الأوثان فصار بذلك أعدى أعدائه المحاربين له قبل الفتح يسير تحت ركابه ومرف لوائه في حومة الحرب ولهوات الموت يقيه بنفسه ويجاهد بين يديه.
انظر أقلا إلى سيرة غزوة حنين القريبة من الفتح فأتم الله نعمته على رسوله بهذا الفتح إذ جمع له من شذ عنه من قريش وغيرهم الذين كانوا عثرة في سبيل التوحيد والإسلام وعقبة دون المسجد الحرام ، وهداه صراطا مستقيما الى إقامة شعائر الحج وسنن أبيه ابراهيم ونشر دين الحق وبث الدعوة ونصره الله نصرا عزيزا انقادت به جزيرة العرب للتوحيد وتخطتها الدعوة الى مملكتي فارس والروم.
ويمكن أن ينزل على هذا المعنى قوله تعالى في سورة المؤمن ٥٧ (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ).
وكذا قوله تعالى في سورة محمد «ص» ٢١ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ويمكن أن يكون تعليما للأمة وان كان الخطاب للرسول كما قدمناه في قوله تعالى في سورة بني اسرائيل ٢٤ (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) الآية ولو لم يكن في سوق الآيات ما يدل على ما ذكرنا للزم حملها عليه بقرينة دلالة العقل والنقل