إصرار المتكلف وأمثاله على انكار وقوع النسخ في أحكام الله بهذا الإنكار.
قلت : إن شئت ان تتعجب فتعجب ، وان شئت قلت انهم قد استحسنوا والفوا راحة نحلتهم واطلاقهم من قيود الشرائع بسر الفداء فحصنوا دوامها بدعوى امتناع النسخ في الاحكام الإلهية مقاومة لما يدهمهم من النبوات بشريعة الحق المصلحة لأسباب الكمال ونظام المدنية وسعادة الدارين.
وخلاصة الكلام معهم مع ما تراه من التفاوت والاختلاف الباهظ بين الديانة اليهودية حسب العهد القديم وبين الديانة النصرانية حسب العهد الجديد هو ان قولهم ان الديانة اليهودية هي ذات الديانة المسيحية اي النصرانية الرائجة وبالعكس ان أرادوا منه انهما متحدتان في الاحكام العملية فهو باطل بالوجدان إذ لا يخفى على أحد انه ليس في النصرانية الرائجة شيء من أحكام التوراة العملية ، وان أرادوا انهما متحدتان من حيث الإيصال الى المعارف الحقة وشرائع التكميل وحفظ المدنية والسعادة ، وان اختلفتا في الأحكام العملية رعاية لمصلحة الحال والوقت ، بل هذا الاختلاف ناشئ من اتحادهما في رعاية الغاية المطلوبة.
قلنا : بعد غض النظر عن المباحثات في مضامين هذا الكلام ، إنا معاشر المسلمين جميعا لنقول تبعا لرسول الله وكتاب الله ان الاسلام متحد مع الشريعة الموسوية الحقيقية ، والمسيحية الحقيقية ، وكل شريعة حق من حيث الغاية المطلوبة ، وان اختلف معهما في بعض الأحكام العملية رعاية للغاية الصالحة.
ولو قلنا : بأن اليهودية والنصرانية الرائجتين هما الحقيقيتان وان كتبهما الرائجة هي الكتب الأصلية لقلنا : ان الاسلام أكمل منهما في اسباب الوصول إلى الغاية والترقي في كمالاتها كما يشهد بذلك خلو التوراة الرائجة من معارف القيامة والثواب الدائم النعيم والعذاب الأليم اللذين هما اولى بالرغبة والرهبة ولم يقع الترغيب للطاعة في التوراة إلا بطفيف من زخارف الدنيا الفانية التي طالما تنعم بها المشركون بأضعاف ما حصل عليه الموحدون. ولم يقع الترهيب فيها ، والتخويف من وبال المعصية ، والتمرد على الله إلا بالفقر ، والآلام المنقضية والموت المحتوم على العباد مما يشترك به الناس برهم وفاجرهم ..