شريعة الحق ناقض للغرض المطلوب من إرساله ، ونقض الغرض قبيح ببداهة العقل ومنقصة فاضحة فهو ممتنع على الله ، فان الوجدان ليشهد بأن نفوس البشر المحتاجة إلى الاستصلاح والترويض والإرشاد والتقريب إلى الله وشريعة الحق لتنفر نفرة شديدة عن الانقياد إلى من يدعوها إلى الله والشريعة ويعظها ويوبخها ويزجرها عن شهواتها إذا كان ممن يخالف الله والشريعة ويتمرد على أحكامها وينقاد إلى شهواته وهواه مع ادعائه المعرفة والرئاسة الدينية ، فلا تصغى إلى إرشاده ولا تعتني به ، فانظر بوجدانك إلى المذنب العاصي إذ جاءك واعظا ومرشدا مؤدبا زاجرا لك عن اتباع هواك ، فهل ينتج من إرشاده ووعظه وزجره الا ان يستهزئ به ويقال له : كمل نفسك واصلحها وأرشدها ثم التفت الى تكميل غيرك وإرشاده ، وحينئذ ادع عليه الرئاسة وفضيلة الإرشاد وسيطرة الزجر والتوبيخ. بل نقول : ان صدور الذنب والقبيح من الرسول الذي هو الرأس والرئيس والقدوة في الدين ، مؤيد ومحرك لدواعي سائر البشر إلى الاقدام على الذنوب والتهاون بالشريعة لشهادة الوجدان بأن رئيس الدين إذا أذنب هان على الناس اتباعه في الاقتحام في الذنوب ، وتحركت شهواتهم وأهواؤهم إليها وقد لهج الناس بقولهم الموافق للحكمة والتجربة «إذا فسد العالم فسد العالم» ، وعلى ذلك يلزم من صدور الذنب والقبيح ومخالفة الشريعة من الرسول حصول الفساد من الجهة التي أراد الله برحمته ولطفه منها الصلاح ، وحقيقة هذا ومعناه أن يريد الله الصلاح لأجل رحمته ولطفه بعباده من الجهة التي هي أشد وادعى في انتشار الفساد ، وهل يرتاب عاقل في قبح ذلك وامتناعه على الله جل شأنه.
وانظر إلى الملوك فهل تراهم يرسلون إلى إصلاح رعاياهم المتمردة على شريعة المملكة إلا من يطمئنون بعدم مخالفته لتلك الشريعة وقوانين الإصلاح مهما أمكنهم لئلا تفسد الرعية بفساده ، ولو وجدوا إلى المعصوم سبيلا لما عدلوا عنه ، وذلك لعين ما ذكرنا من قبح نقض الغرض ، فهل ترى الملوك انظر لصلاح رعاياهم من الله لعباده.
«الوجه الثاني» ان إرسال الله للرسول المعصوم ممكن وحاجة الخلق في الاهتداء إلى الحق وظهور الصلاح والانقياد إلى الرسول وعدم التنفر عنه داعية