وهكذا إذا أُطلق على سائس القوم صفة الرب ، فلأنّ أُمور البلد والشعب مفوضة إليه ؛ وإذا أطلقنا على صاحب الدار ومالك الشيء اسم (الرب) ، فلأنّه فوّض إليه أمر تلك الدار وإدارتها والتصرّف فيها كما يشاء.
فعلى هذا يكون المربّي والمصلح والرئيس والمالك والصاحب مصاديق وصوراً لمعنى واحد ، ولا ينبغي أن نعتبرها معاني متمايزة ومختلفة للفظة الربّ ، بل أنّ معنى (الرب) المشتق من (رَبَبَ) لا (ربّى) هو : من بيده أمر التدبير والإدارة والتصرّف ، وإذا أمعنا النظر في آيات الذكر الحكيم يظهر لنا وبجلاء هذا المعنى ، فإذا أطلق يوسف عليهالسلام لفظ الرب على عزيز مصر الذي كان يعيش في داره وفي كنفه حيث قال : (... إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ...). (١) فما ذلك إلّا لأجل أنّ يوسف الصديق عليهالسلام قد تربّى في بيت عزيز مصر وفي كنفه ، وكان العزيز متكفّلاً بتربيته الظاهرية وقائماً بشئونه.
وكذلك الأمر في وصف يوسف عزيز مصر بكونه ربّاً لصاحبه في السجن ، حيث قال : (... أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً ...). (٢) فلأنه كان سيد مصر وزعيمها ومدبّر أُمورها ومتصرّفاً في شئونها ومالكاً لزمامها.
وأمّا وصف القرآن الكريم اليهود والنصارى بأنّهم اتّخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله تعالى بقوله سبحانه : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ...). (٣) فلأجل أنّهم منحوهم السلطة على التقنين ، وأعطوهم زمام تشريع الحلال والحرام ، واعتبروهم أصحاب سلطة في تحليل الحرام وتحريم
__________________
(١). يوسف : ٢٣.
(٢). يوسف : ٤١.
(٣). التوبة : ٣١.